لن تضحك الدنيا لوجهٍ عابسٍ، ولن يغرد طائر السعد في عش الخراب. فما بالك يا مكفهر الروح. هذا نهر الحياة يمر قربك زلالا وأنت تبكي سقوطك في مستنقع الأيام. وهذه غيمة الأرزاق تُمطر في الأيادي المفتوحة، وأنت تضم قبضتك كل يوم وتلكم بها الريح. ها هي السلحفاةُ سبقتك إلى خط النهاية، وأنت لاهٍ تطارد فراشة الوهم وتدور في مكانك لا ذهاب ولا إياب. خذ العزيمة من قلب ذاتك وأطعن بها وهن الانتظار. وبيد الأمل، ارفع الجبال التي تحد رؤاك وتسد أفق ابتهاجك. قم، وسوف ترى أن الدروب لا تتفتح إلا لمن يمد خطوته الأولى ويتبعها بأخرى في طريق المستحيل. وأن الذي يصل أولا، هو من يصعد الحواجز ويتخذها سلما للارتقاء. تموتُ الفكرة في عقل صاحبها إن تراخى وهو يسأل كيف البداية والنهاية. فيما الآخرون يشقون الصخر ويحفرون النبع في أرض الجفاف. ليس مهماً أن ترى نهاية الطريق، ولكن المهم أن تبدأ، أن تدوس على جمر الخوف وتعبر من فوقه إلى من تحب وما تحب، حتى لو وصلت حافيا مخدوشاً وممزقة ثيابك. خذ الشمعة دليلك في ليل الضياع، واعبر بها أرض الغموض وسترى أنك أول من يشهد الفجر الجديد، وأول من تتفتح له الوردة حين تشرق الشمس من جهة المستقبل. وهذا الخوف الذي كان قيدك، سترى أنك نقيضه. ففي صوتك ما يهزّ جبال الصمت إن تركت روحك تزأر، وفي بصيرتك عينٌ تقرأ الآفاق إن سمحت لقلبك أن يرى. لا عائق إلا الجهل، ولا جدار إلا ما تبنيه في عمق ذاك. وما الحرية إلا أن تقشع وجودك من كلس التردد، وأن تصعد سفينة الأحلام بنفسك وتكون ربانها للأبد. جهتان للمحتار، لا يعرف أيهما درب النجاة وأيهما ينتهي بسدّ. لكن الواثق يدرك أن الخوض في المجهول هو ما يضمن الاكتشاف، وأن الوقوف طويلا على العتبة هو موت دائم، فلا هو خارج ولا هو في دخول. وما الذين انتصروا على اليأس والحيرة، سوى بشرٌ أطاعوا رغبة الوصول إلى القمم العالية، ولم يثنهم المنحدر، ولا نتوء صخوره. ولم يندب أحدهم ضعف جسده لأنه بلا جناح. فما بالك أيها الجالس في شلل روحك. انهض، خذ الريح حصانا وتعال صوب مجدك. قل وداعا للأسف.. قل للنور إني آتٍ إليك.