السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القرصنة الروسية.. أدلة ضعيفة!

26 ديسمبر 2016 22:17
أودُّ أن أصدق أن الروس سعوا بالفعل لقرصنة الانتخابات الأميركية، لكني ما زلتُ أجد الأدلة على ذلك ضعيفة وغير كافية. وهذا التشكيك ينطبق أيضاً على التقرير الأخير الذي يفيد بأن وكلاء لروسيا في أوكرانيا يستخدمون البرامج الحاسوبية الخبيثة نفسها التي استُخدمت في الهجوم الذي استهدف اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة. فعلى مدى أشهر وأنا أحلل وأفحص قصص القرصنة الإلكترونية الروسية العظيمة بحثاً عن أدلة تقنية، لكن الدليل الوحيد الذي يشير إلى تورط الحكومة الروسية، حتى الآن، يأتي من الشركات المتخصصة في الأمن المعلوماتي التي درست «التهديدَ الدائم المتقدم 28»، وهي مجموعة من الهجمات الإلكترونية استهدفت على مدى سنين عدة أهدافاً، من بينها اللجنة الوطنية لحزب الديمقراطي الأميركي في 2016. هذا الدليل تلخصه على نحو جيد تدوينةٌ لشركة «فاير- آي» المتخصصة في الأمن المعلوماتي. فـ«التهديد الدائم المتقدم 28» تستهدف الحكومات والجيوش المعادية لروسيا أو تلك التي تكتسي أهمية استراتيجية بالنسبة لها، وهي تبدو محترفة ومموَّلة بشكل جيد، كما أنها تستعمل اللغة الروسية في برمجياتها الخبيثة، وعملها ينشط على الخصوص خلال أوقات العمل في المنطقة الزمنية لموسكو. ومن جهتها، تطلق «كرواد - سترايك»، وهي الشركة التي رصدت الهجومَ الإلكتروني الذي تعرضت له اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي الأميركي، على «التهديد الدائم المتقدم 28» لقب «الدب الراقي». وكان مؤسس الشركة دميتري ألبيروفيتش قال مؤخراً، إن لديه «قدراً متوسطاً من الثقة» في أن المجموعة تدار من قبل جهاز المخابرات العسكرية الروسي «دجي آر يو». أما اليوم، فإنه يقول إن هذا المستوى المتوسط من الثقة ازداد وارتفع. ازدياد الثقة هذا يعزى إلى اكتشاف «كراود سترايك» لإصابة تطبيق على نظام أندرويد مطوَّر في أوكرانيا، ويُستعمل لتسبيط بيانات الاستهداف لمدفعية هاوتزر دي 30، بنسخة من فيروس «التهديد الدائم المتقدم 28». أما التفسير المنطقي، فهو أنه إذا استُعمل زرع البرمجيات الخبيثة في التطبيق من أجل جمع بيانات بخصوص تموقع وحدات المدفعية الأوكرانية، فمن غير جهاز المخابرات العسكرية الروسية «جي آر يو» يمكن أن يكون وراء ذلك؟ وفي هذا السياق، يقول تقرير «كراود سترايك»: «إن التقارير الواردة تشير إلى أن سلاح المدفعية الأوكراني خسر أكثر من 50% من أسلحته خلال عامين من عمر النزاع وأكثر من 80% من مدافع هاويتزر دي 30، وهي أعلى نسبة خسارة تسجل في أي قطع أخرى من المدفعية ضمن ترسانة أوكرانيا». الاستنتاج هو أن الروس قاموا بقرصنة التطبيق من أجل استهداف مدافع هاويتزر دي 30، وهكذا، فإن معظم هذه الأخيرة تعرض للتدمير. ورغم أن الجيش الأوكراني مني بهزائم ساحقة في شرق أوكرانيا، أكثرها على أيدي وحدات روسية أرسِلت لمساعدة الانفصاليين الموالين لموسكو، فإن نسبة الخسارة تبدو مرتفعة للغاية. غير أنه انطلاقاً من تقييمي الخاص، أستطيع القول إن البيانات بخصوص مدافع دي 30 ليست موثوقة جداً، إذ يبدو أنها قائمة على افتراض بأن التغييرات في تقارير التوازن العسكري، وهي نفسها أبعد ما تكون عن الدقة، يمكن أن تؤول باعتبارها خسائر. والواقع أنه يصعب على أن أصدّق بأن هذا التطبيق المصاب ببرنامج خبيث، يمثل دليلا يربط جهاز المخابرات العسكرية الروسية «جي آر يو» بـ«التهديد الدائم المتقدم 28»، وهذا حتى إذا سلّمنا بوجاهة الاستنتاج الأول الذي يشير بأصبع الاتهام إلى جهاز «جي آر يو»، وليس لأي من أجهزة التجسس الروسية الأخرى المنخرطة في النزاع الأوكراني. وشخصياً، آمل بكل صدق أن تكون نتائج التحقيق التي ستكشف عنها أجهزة الاستخبارات الأميركية لاحقاً، بشأن عمليات القرصنة التي استهدفت الانتخابات، أكثر قوة وإقناعاً. أرجو ألا يساء فهمي؛ فمن الواضح أن المخابرات الروسية كانت مهتمة بحملة الانتخابات الأميركية، ومن الممكن جداً أن تكون قامت بتسريب ما وجدته إلى الصحافة عبر ويكيليكس، رغم إنكار هذه الأخيرة. فالرئيس الروسي بوتين لا يكنّ الود لهيلاري كلينتون، والأرجح أنه كان سعيداً لتقلص فرص انتخابها، ما يمثل مساعدة لترامب. إن الأمر كله منطقي. ولهذا، فثلث الأميركيين يعتقدون أن روسيا أثّرت في نتيجة الانتخابات. بيد أنه في العالم الحقيقي، بعيداً عن المسلسلات الدرامية التلفزيونية وروايات الجاسوسية، ينبغي أن تكون أي استنتاجات بخصوص هوية القراصنة ودوافعهم وأهدافهم مبنيةً على أدلة قوية ودامغة. والحال أن الأدلة في هذه المرحلة ضعيفة وغير كافية. وهذا مؤسف، خاصة بالنظر إلى أن عمليات القرصنة التي استهدفت اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي كانت من بين الأحداث الرئيسية التي ميّزت حروب «البروبجندا» المستعرة في 2016. *محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©