الجماعات المتطرفة أشبه بقصاصات ورقية يفيض بها الفضاء وتحتاج إلى ملاقط حادة وجادة لتدفعها بعيداً عن الجغرافيا أو نسقطها لتصبح نفايات تدوسها العربات الثقيلة. ليس محض خيال أن نرى في هذه الجماعات ما هو مخيف ومفزع لأنها جماعات تحمل أفكاراً هلامية غامضة، جماعات تطير عبر الأثير، وهناك رياح شديدة تدفعها، تأتي هذه الرياح من نافخي كير عشقوا النيران والتزموا أخلاقياً بالاندفاع وراء الأفكار السوداوية البغيضة. إذاً ماذا يمكن أن يحصل لو استمرت هذه القصاصات في الفضاء واستمر معها النفخ الكريه؟ سوف تخرج الأمور عن طاعة الأفكار النيرة وسوف يعربد المتطرفون وكل نجاح يحققونه سيعتبرونه نصراً من الله، وسوف يصدقون أنفسهم أنهم يفعلون ما يرضى رب السماء.. ومع هذه المسلمات الساذجة سوف يوجد الأتباع الجهلة، وتتكاثر خلاياهم مثل الجرذان وتتحقق الفوضى الخلاقة كما تنبأ لها المغرضون والحالمون بعالم أشبه بالغابة تسكنه الوحوش.. وحتى تفسد المجتمعات الحديثة هذه الأفكار وهذه المخططات النارية يجب أن تعمل المؤسسات الثقافية بوسائل الدفع الرباعي وأن تجمع بين راحتيها إرادة الأوفياء وأن تسير القوافل معاً وفي عمق صحارى المتطرفين والقضاء على أوكارهم ليست بالسلاح فحسب وإنما أيضاً بالأفكار النيرة بثقافة محصنة من الارتداد أو العجز، ثقافة قادرة الاختراق غير قابلة للاحتراق. التطرف هو علاقة مع الموت، علاقة مع العدمية والعبثية ولم يخل عصر من العصور من هذه الآفة، إلا أن الانتصار يأتي في النهاية للثقافة الحية والحيوية، ثقافة تخرج الناس من مواقد التدمير إلى موائد التعمير، ثقافة لا تجز ولا تحز، ثقافة إنسانية تبني سياجها من حرير الأفكار الشفافة وتنتج أحلامها من تربة خصبة، ثرية.. التطرف هو انتحار الفكرة واندثار القدرة على مواصلة الحياة بشكل طبيعي ومتوازٍ مع شروق الشمس وغروبها وتوالي الليل والنهار. التطرف نقطة النهاية لأي كائن عطبت أداته الفكرية وانحسرت عنه مياه الحياة وخضب منابع الإبداع.. التطرف خروج عن المألوف لعدم إدراك متطلبات الواقع.. التطرف عمى البصيرة قبل البصر.