- لو أن الناس بين الحين والحين ينظرون للعلاء، ويسامرون نجوم الليل، ويتفكرون فيما خلق، ويتدبرون ما في هذا الكون اللامتناه، فستصغر أمور كثيرة في عيونهم وقلوبهم، وسيضمحل كل الادعاء والافتراء، ولن تكبر الأنا، ولن يبقى إلا سجدة شكر لنعم عديدة، وسابحة حولنا، ونحن نقابلها بلا حمد، وبطمع! - لو أن الناس يدركون كم عظيمة هي الأمور التي يجدونها وتتوافر لهم، دونما أي عناء ولا شقاء، كم هي عظيمة بعض الأمور، كالصحة مثلاً، والعقل مثلاً، والتسامح الساكن في النفس مثلاً، غير أن الإنسان خلق جحوداً! - لو أن الناس يشبعون من طمع النفس، ويكون كل يوم يولدون فيه من جديد يستوجب صلاة الشكر، ودمع الطُهر، لكانت الدنيا بخير، وكانت تتسع للجميع. - لو أن الناس يرضون باللقمة القليلة التي تسد الجوع، ويرضون بشربة الماء الهانئة، ولا يتعبون قلوبهم في الهم والظلم، ولا يظلمون أنفسهم بالبغي والحسد، ولا يقصرون من طول أعمارهم بالمنّ والأذى، لكانت الدنيا، وكانت فسحة الأمل، وكانت الحياة موصدة أبوابها عن شياطين الأنس والجن! - لو أن الناس يتخلون عن أحكام شريعة الغاب، تلك التي تركها أجدادهم الغابرون في كهوفهم، وانطلقوا حينما رأوْا البراري، وفرحوا حين شاهدوا البحر، واستدفأوا حينما رأوْا الجبال، وعرفوا كم كانت الحياة ضيقة في الكهوف، وكم هي قاسية حين يغرز كل نابه في الآخر، رأوْا الفضاء، وبرقت الأحلام في عيونهم، فتدافعوا كل واحد يريد أن يطير بجناح أحلامه! - لو أن الناس يسبقون الخير، ويتباطؤون عن الشر، ويكتفي كل واحد بذلك النعت الجميل: «إنسان طيب»، أو هو طيب القلب، كم تساوي تلك الجملة القصيرة، إنها تختصر حيوات أناس، وسنوات طوال من مجاهدة النفس، وتصبيرها، وتقليم شراستها، والارتقاء بها نحو السمو والرفعة، ومنازل الملائكة والأنبياء! - لو أن الناس يجاورون أخلاق وسير الأنبياء والمرسلين، لا يقدرون أن يكونوا في درجة الخير والتسامح والعفو كسيرة سيدنا عيسى عليه السلام، ولا على ذلك الخلق العظيم، والأمانة الثقيلة كسيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تفكر وتدبر سيدنا إبراهيم عليه السلام، وصفات كثيرة تحلى بها غيرهم من الأنبياء، وهي من عطايا الرب لهم، وليكونوا قدوة للناس، ولكن نحاول تلمس نعمة المجاورة بمزاياهم، ونعم الجوار بهم، فربما استطعنا أن ننال شيئاً من ثمر ما وهبوا، وتزين دنيانا! - لو أن الناس يدركون ما يصلح دنياهم، وينفع أخراهم، لتكالبوا على الخير، ولا عدموه!