العالم كله وجله يتهافت، ويرخي سدول الليل على سوريا كي يضع أصابعه في ثنايا الجسد المريض، مؤتمرات، اجتماعات ومشاورات مدججة بالنوايا والرزايا، وما يحدث لا يبشر بخير، لأن «ما يحك ظهرك إلا ظفرك». ويبدو أن العرب خبأوا هذا المثل في أدراج النسيان، وأدبروا وتولوا وتركوا مصير سوريا في أيدي من لا أمان له ولا ميثاق. الذين يجتمعون من أجل سوريا يوغرون الصدور، ويلهبون الثغور، ويضمرون الشرور لهذا البلد، لأن كل جهة من هذه الجهات، لها مسوغاتها ومبرراتها التاريخية، وهي بألا تقوم للعرب أي قائمة، ولكن العرب لا يهمهم كل هذا الضيم الذي يلاقونه من سواهم، لأنهم مشغولون، بمشاكلهم الذاتية، التي طفحت وتورمت وصارت قيحاً مؤذياً. وأنا متأكد أنه عندما تكون إيران طرفاً في أي اجتماع من أجل أي دولة عربية، فإن النتيجة لن تكون أقل سواداً من كحل امرأة قبيحة، ولن تكون أقل مأساوية، من أحلام غزالة برية يطاردها وحش ضارٍ. لأن لإيران أوهامها التاريخية، وهذاءاتها وهلوساتها، وعذاباتها الزمنية التي لن تستطيع التخلص منها. مهما حاولت لبس الأقنعة وارتداء معاطف الحشمة والوقار السياسي. المهم في الأمر هو أين العرب؟ وأين دورهم، في هذا القطر العربي المهم، عندما يتحدث الأسد، عن دور إيران المقاوم، وعندما يزبد نصر الله وخلفه صورة الخميني، وعندما يهدد الحشد الشعبي في العراق، ويقول للعرب نحن قادمون.. هذا التبجح لم يأت من الفراغ، وما كان لهذه العربات الفارغة أن تضج وتعج، لولا غياب العرب وانكفاءهم، وتفرقهم.. فعل مدى التاريخ لا تقوى إيران، وتنتفخ إلا عندما يحل الوهن بعضلات العربي، وتدوخ رؤوسهم بسبب دخان مشاكلهم الذاتية.. الإمكانيات العربية في مختلف المجالات، تؤهل العربي للريادة والتصدي، وكبح جماح المحتقنين والمتورمين، ولكن هذه الإمكانيات، بحاجة إلى ترتيب وتهذيب، هذه الإمكانيات بحاجة إلى التخلص من الأنانية والانتباه إلى العدو المشترك، وبكل الجوارح لأنه ما من كائن على وجه الأرض يصدق أن كل ما تفعله إيران وتستميت من أجله لوجه الله، وإنما هو لغاية في نفس الذين لا تستريح ضمائرهم، إلا عندما يرون الدماء تسفك هدراً على الأرض العربية، وكأنهم في ذلك يطفئون نيران الضغينة التاريخية، ويريحون ضمائرهم من عذابات أحزان قديمة قدم الوهم الذي يسكنهم.. فلكل من يجتمع من الغرباء من أجل سوريا، له غرضه ومرضه، وللدول مصالح وما نريد أن نسأل عنه، أين مصالحنا نحن العرب في وسط هذا المحيط المتلاطم.. أم هل ننتظر حتى آخر طفل سوري، يفتح عينيه للشمس فلا يرى غير بقايا بلد.. بالأمس كانت هنا واليوم قد دُمرت..