الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صادق جلال العظم: الظلاميّون يستقوون بأعداء العقل

صادق جلال العظم: الظلاميّون يستقوون بأعداء العقل
24 ديسمبر 2016 22:38
محمد عريقات (عمان) من المعروف أن الكون كما يقال يفقد شيئا من بهائه عند وفاة شاعر أو مفكر أو كاتب، هذا ما نشعر به ونتناقله كقراء ومتابعين، على الأقل ينطفئ شيء في كوننا الخاص، فيكون خبر الموت دافعا وراء إعادة قراءة نتاجاتهم وإعادة احيائها في أوساط القراء والنقاد وبهذه العملية/‏‏ القراءة الثانية يكون حظ النص أوفر من حيث الدراسة والتفكيك والوقوف على جوهر مدلولاته الأدبية والفكرية ووضعه في مكانته التي يستحق. مؤخرا توفي المفكر والكاتب السوري صادق جلال العظم (1934-2016)، فكان ذلك دافعا لإعادة قراءة بعض نتاجاته الفكرية والنقدية وكان العظم قدم العشرات من الكتب المهمة في الفكر والنقد الأدبي والسياسة، أبرزها «نقد الفكر الديني» الذي أصدره العام 1969 وحوكم وسجن بسببه وألحق به لقب المفكر المثير للجدل. منذ ذلك التاريخ توالت نتاجات صادق العظم، إلا أن كتابه المذكور ظل الأشهر في الأوساط الثقافية والأكاديمية، ومن تلك المؤلفات كتابه «ذهنية التحريم» الصادر في طبعته الأولى عن دار رياض الريس في بيروت عام 1992 الذي ناقش به العظم حقيقة الأدب ودافع من خلاله على أحقية الكاتب في حرية التفكير والتعبير وعن أحقيته في الحياة التي تهددها بعض القراءات السطحية التي تزج بالنص وكاتبه في دائرة التكفير والتجريم، كما يدافع من خلال فصوله عن الفلسفة وأحقيتها في الوجود والتقدم. يعالج صادق العظم في كتابه بمنهج مضاد للمنهج الذي الفناه في التعامل مع قضايا التحريم والتكفير وعقلية التجريم وشريعة القمع داعيا إلى التمعن الرزين والهادئ فيما ينتج من نصوص أدبية وفكرية، وأن نخرج من دائرة التخلف الذي يشير له في أحد فصول الكتاب وهو «البيان والتبيين في أحوال التخلف والمتخلفين» حيث يقسم التخلف إلى نموذجين هما: «التخلف البسيط»، و«التخلف المركّب»، قصد المؤلف بالنموذج الأول نشوء هوة حضارية، أو فجوة تطورية محدودة بين الطرف المتخلف والطرف المتقدم من دون أن تمنع طبيعة العلاقة بينهما الطرف الأول عن سد تلك الفجوة واللحاق بالطرف المتقدم. وحسب العظم يتميز التخلف البسيط بالطابع الزمني وتأخذ عملية التغلب عليه شكل الصيرورة الانسانية السهلة باتجاه اللحاق بطرف متقدم، بينما تميل عملية التغلب على «التخلف المركّب» شكل الصيرورة الكفاحية العنيفة باتجاه فك العلاقة البنيوية مع الطرف المتفوق ومع كل صاحب مصلحة في إعادة إنتاج التخلف لدى الطرف المتخلف. أما في الفصل الأخير «دفاعا عن حق الكاتب في الحياة» فيرى العظم أن قوى الظلام تواصل عملها ضد العقل والمدافعين عنه بوسائل مختلفة كحرق الكتب، والحشد لإعدام كل من ألف كتابا لا يعجبها، لكل من يدافع عن الشعوب من خلال خلق التفكير الحر للإنسان الذي يعيش بشريته ووجوده الصحيح خارج أسوار القمع والجوع والجهل، فالإنسان الحر، كما يصفه العظم، هو غاية كل دين فمهمة المفكر والكاتب الدفاع عن ضرورة حيوية هي الحرية التي لا يتحقق الوجود الإنساني إلا بها. وعن تلك القوى الظلامية التي تزور حقيقة الدين بهدف نشر القتل والإرهاب يؤكد العظم بأنها تتحرك بيننا طليقة مستقوية بأعداء العقل تريد من الشعوب أن تظل في ظلمات الجهل، ويرى أن الخطر على الشعوب الإسلامية لا يأتي من تلك الكتب التي تحرمها وتجرم مؤلفيها بل من عداء هذه القوى للمجتمع المدني لأن القبول بفكرة المجتمع قبول بالعقل والخيار الحر ومن رصدها المكافآت لإهدار دم كل من يخالفها الرأي. لا يبرئ العظم في كتابه الدوائر الغربية فهي كما يشير الكتاب لم تكن حريصة على حرية الإنسان فمواقفها مؤيدة لكل ما هو متخلف ورجعي بدءا بدعمها بربرية إسرائيل والنظام العنصري في جنوب أفريقيا، والمعارضة في أفغانستان، وهي التي همّشت وتهمش كتابها المعارضين لمشروعها الامبريالي. ويخلص الكتاب إلى أن حقيقة خطر القوى الظلامية يكمن في تنصيب نفسها وكيلا عن الذات الإلهية، وأنها تستثمر هذا التوكيل إلى حدوده العليا من أجل الدفاع عن مواقعها ونفوذها وعن المصالح الاجتماعية التي ترى في استمرار تفكيك العقل والفكر أساسا لبقائها، منفلتة من عقالها لا ترفع إلا شعار الدمار وتحطم الكل باسم الجزء بعد أن تعتبر نفسها كلا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©