منذ زمن بعيد لم أقرأ في صحافتنا الرياضية مواضيع استقصائية تضع النقاط على الحروف وتوضح مكامن الأخطاء بطريقة توثيقية بعيدة كل البعد عن «الشخصنة» والانحياز، وللأسف فمعظم صحافتنا وإعلامنا الرياضي يدور في فلك كرة القدم ويستحيي من ذكر بقية الألعاب، إلا عندما تُجبره على ذلك فيمرّ عليها خجولاً ثم لا يلبث أن ينساها علماً بأننا لم نحرز لا كأس العالم في كرة القدم، ولن نحرزها ما دام احترافنا الكروي بقي مثل همزة الوصل يُكتب ولا يُلفظ وأحياناً لا يُكتب ولا يُلفظ. ومَن تابع سلسلة تقارير زميلنا محمد البادع في «الاتحاد»، التي حملت عنوان أبطال الصدفة والصدمة سيصدمه ما سيقرأ من حقائق عن أبطال العرب الأولمبيين الذين لم يتم اكتشافهم واكتشاف مواهبهم إلا بالصدفة وليس عن طريق الأكاديميات أو المدارس أو الأندية. فمنهم من كان سائق تاكسي أو حمّالاً أو عاملاً في ورشة أثاث أو في الفلاحة مع أهله، وأنا شخصياً أعرف أبطالاً شاركت معهم في دورتي الألعاب الآسيوية في بكين بالصين عام 1990، وهيروشيما باليابان عام 1994، وأعرف أبطالاً عالميين وأولمبيين كانوا أبطال مصادفة، فمنهم من عمل في فرن ومنهم على «سيخ شاورما» ومنهم دهان ونجار، ومنهم من كانت لاعبة سلة وشاركت منتخب بلادها ثم تحولت لألعاب القوى فحققت لبلادها (سوريا) أول ميدالية ذهبية أولمبية، وأول لقب عالمي في تاريخها في المسابقة السباعية وهي النجمة غادة شعاع. ما فعله البادع، لم يكن لمجرد التوثيق حسب رأيي، بل هو تحذير من أن الماضي بمجمله لم يشهد صناعة أبطال بقدر ما كانت اكتشافات مصادفة، ولهذا فعلينا أن نستفيد من أخطاء الماضي، التي نقول بعد كل إخفاق إننا لن نكررها وإننا تعلمنا منها، ولكن التاريخ يعلِّمنا أننا لا نتعلم منه أبداً، وأتمنى أن أكون مخطئاً.