الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الصورة الجيدة تكافح من أجل مساحة أكبر في الصحافة العربية.. لماذا؟

الصورة الجيدة تكافح من أجل مساحة أكبر في الصحافة العربية.. لماذا؟
21 ديسمبر 2016 23:49
أحمد مصطفى العملة «الصورة الجيدة بألف كلمة».. و«اللقطة خبطة».. هكذا يقولون لتأكيد أهمية الصورة في الصحافة المطبوعة. وهم محقون تماماً على الرغم من أن قطاعاً كبيراً من الصحافة العربية مازال يؤمن حتى الآن بأن الكلمات، بل كثيرا من الكلمات، هي الأهم. هذه المدرسة الأخيرة تتعامل مع الصورة باعتبارها عنصرا ثانوياً، يساعد أحياناً في ملء الفراغات عندما لا تكفي النصوص، حتى لو كانت مليئة بحشو لا معنى له ورطانة لا طائل من ورائها. على النقيض تماماً، تحتفي الصحافة الغربية في معظمها بالصورة، وتفرد لها مساحات كبيرة، حتى تصبح كأنها المتن، والنص بجوارها هامش يشرحها ويفسرها. هذا التناقض بين المدرستين، ربما كان منشأه الاختلاف بين موقف الثقافتين العربية والغربية، من التصوير. فقد توقف تراث التصوير في المنطقة قبل آلاف السنين، مع زوال الحضارات القديمة التي تركت رسومها البديعة على جدران المعابد وأوراق البردي، وحل الخط العربي ساحة بديلة للإبداع الفني بدلاً من التصوير.. في حين تطور فن الرسم بالغرب على مدار قرون طويلة، دون انقطاع، حتى وصلنا إلى مرحلة الكاميرا. الأمر يتعلق أيضاً بالنظرة إلى الإنسان والاحتفاء الدائم به (بالمعني الإيجابي والسلبي)، وموقعه من الكون. فهو في الثقافة الغربية محور الاهتمام والمركز الذي يدور حوله التاريخ والجغرافيا ومجرات الكواكب والنجوم، بينما هو في الثقافة العربية عنصر هش مجبور. أضف إلى ذلك التطور المهني الذي شهدته الصحافة الغربية التي اكتشفت تغير الذائقة البصرية لجمهورها مع الصعود المدوي للتلفزيون، ثم التطبيقات الذكية من نوع «إنستغرام» ومواقع التواصل، فحاولت أن تخوض المنافسة بالتوسع في نشر الصور على مساحات كبيرة لجذب مزيد من الإعلانات والإيرادات، بعد نجاح التجربة في المجلات. بالنظر إلى أعلاه، تجد الصحافة العربية نفسها في مأزق غريب عندما تقف في مواجهة لقطة تاريخية مذهلة تخطف العين والعقل، صورة يتضاءل بجوارها أي نص. ساعتها تزيد حدة التوتر في صالات التحرير عندما تتعين الإجابة عن السؤال التالي: بأي حجم سننشر الصورة على الصفحة الأولى؟!. حدث ذلك كثيراً.. مثلاً، عند اغتيال الرئيس الأميركي جون كيندي أو مصرع قاتله هارفي أوزالد أو مقتل الرئيس المصري أنور السادات أو الرئيس الجزائري بوضياف أو قتل الرئيس الليبي معمر القذافي أو حتى صورة الطفل السوري الغريق إيلان.. ثم تكرر الأمر قبل يومين، عندما اغتال شرطي تركي السفير الروسي بأنقرة لدى حضوره معرض تصوير. غير أنه لا مفر هذه المرة. فقد حسم الأمر. وكان من السهل الإجابة على السؤال. بدليل أن الصفحات الأولى في اليوم التالي تصدرتها الصور التي التقطتها برهان أوزبليسي مصور وكالة اسوشيتدبرس. كانت الصور مذهلة بكل المقاييس، على الرغم من قسوتها. مشاهد درامية بامتياز. القاتل والقتيل والشهود معاً في لقطات تتوقف عندها الأنفاس. لم يكن المحرر الصحفي هو البطل في التغطية. ولم يكن ثمة حاجة إليه.. فقط كان المصور سعيد الحظ (بالمعنى المهني الشرير) يقوم بعمله العادي. مجرد معرض صور يفتتحه اندريه كارلوف سفير روسيا، ثم يلقي كلمة عادية، ويمضي الجميع إلى حال سبيله. يقول مصور أسوشيتد برس عن اللحظة التي أطلق فيها القاتل النار على السفير عندما كان يلقي كلمته «استغرقت بضع ثوانٍ لأدرك ما حدث. الرجل توفي أمامي. ثم تحركت إلى الوراء في الجانب الأيسر من القاعة، في حين أن الرجل المسلح كان يصوب مسدسه نحو الناس الخائفين على الجانب الأيمن». كان من الممكن أن يدفع الخوف أوزبليسي للاختباء أو الهرب، لكنه اتخذ قراره «لا يمكنني الهرب». لماذا؟!.. «لأنني صحفي ومن واجبي تصوير ما رأيت، وإلا كان سيقول الناس: كيف كنت هناك وتحمل كاميرا ولم تصور المشهد». حسم أوزبليسي الأمر، وتقدم قليلاً وصور الرجل، على الرغم من أنه تملكه الخوف من أن يتحول المسلح نحوه، حسبمال قال في تصريحات صحفية أمس الأول. سيناريو مشابه حدث قبل نحو 35 عاماً مع مكرم جاد الكريم مصور صحيفة أخبار اليوم المصرية عندما وجد نفسه فجأة يتابع جنوداً يغتالون الرئيس أنور السادات خلال عرض عسكري في القاهرة. لم يختبئ جاد الكريم عند بدء إطلاق النار ولم يهرب مع من هربوا. واصل عمله بثبات بواسطة أربع كاميرات، فالتقط أكثر من 40 صورة تاريخية للحدث المروع. يتذكر جاد الكريم الذي كان المصور المكلف بمتابعة نشاط السادات «مرت علي هذه اللحظات وأنا لا أصدق ما يحدث أمامي وأخذت أصرخ فين الريس.. فين الريس.. فقد سقط أسفل المنصة وشعرت وقتها بأن ما يحدث انقلاب، أحسست بحزن لم أشعر به في أي يوم من أيام حياتي لقد أحببت هذا الرجل حباً كبيراً.. فقد عملت في الرئاسة لسنوات طويلة وكان إنساناً بسيطاً.. ولطيفاً في معاملاته مع الناس». وفي حادث مشابه أيضاً، كان روبرت جاكسون مصور صحيفة دالاس تايمز هيرالد يقوم بعمله العادي، عندما أوفدته صحيفته يوم 24 نوفمبر عام 1963 إلى مركز الشرطة لتغطية عملية نقل قاتل الرئيس جون كنيدي إلى السجن. وكان جاكسون قبلها بيومين يغطي موكب كنيدي خلال مرور موكبه بأحد شوارع دالاس لكنه لم يتمكن من التقاط صور مهمة للحدث المروع، وهو ما جعله يشعر بالأسف. غير أنه عندما توجه إلى مركز الشرطة تمكن بالمصادفة من التقاط صور مذهلة عندما قام جاك روبي باغتيال أزوالد على مرأى من الجميع في مرآب مركز الشرطة. وتصدرت اللقطات في اليوم التالي الصفحة الأولى لجريدته ونال عنها جاكسون جائزة بوليتزر الرفيعة. يعني ذلك كله، أن على الصحافة العربية أن تهتم أكثر بالصورة وبتطوير قدرات المصورين وتوظيف أعداد أكبر منهم ولو بتقليص عدد المحررين في بعض الأقسام، خاصة وأن المنطقة تشهد أحداثاً جساماً، في وقت تتصاعد فيه حدة المنافسة مع التلفزيون ووسائل التواصل والتطبيقات الذكية التي تهدد في مجملها عرش الصحافة المطبوعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©