هؤلاء الذين يحتاج إليهم الدين، هؤلاء الذاهبون في ملكوت الحكمة وشيمة القيم، ونخوة النعم.. حكماء المسلمين، الحل والعقد في زمن، تناثرت فيه العُقد، وانتشر النكد، وأصبح الأنصاف مفتين ومجدفين ومخاتلين، ومجادلين، ومهاترين، يرتدون معطف الدين ليخبئوا ما سرقوه من تعاليم الدين الحنيف وزيفوه ومزقوه وأحرقوه وفجروه، وجعلوه أعشاب بحر تالفة. هؤلاء هم الذين نريدهم حكماء المسلمين، ليعدلوا كفة الميزان، ويرفعوا الأحزان، ويقشعوا الأدران، ويقفوا صفاً وحداً، في وجه المشوشين والمشوهين والمشبوهين، درءاً للأخطار التي طوقت الأوطان، وكسرت الإنسان وحطمت الوجدان. عندما يكون هناك معيار ديني يستند إلى علماء من ذوي الخبرة والخبر، والخيرة والذخيرة، يصبح العالم في مأمن من الدسائس والخبث والحنث، وتتجلى مشاعر الإنسانية، بالصفاء والنقاء.. الذين اخترقوا الدين واقتحموا دياره، ما كانوا ليفعلوا ذلك لو كنا أعددنا العدة في سابق العهد، وأسندنا الفكر الديني لمفكريه، ومعلميه، والذين صفت أذهانهم بآيات السماء وأحاديث سيد الخلق.. نحن اليوم، وفي مأزق الأفكار وتراكمات عهود ماضية، أصبحنا في أمس الحاجة إلى رجال استمسكوا بالعروة الوثقى، ونهلوا من تعاليم الإسلام القويم، ليصبحوا علامة بارزة في الزمن الإسلامي، ويكونوا قادة رأي ورؤية، يضعون البوصلة في مكانها الصحيح. لتحدد لنا المسار والمداد، وتضعنا في مقدمة الأمم لا في ذيل القائمة.. ما يحدث اليوم على الساحة الإسلامية، هو شيء من الجنون، وهذا الجنون يحتاج إلى من يعقل أصحابه، ويردعهم، ويسكت أصواتهم النشاز ويخرس خطابهم الشاذ، لنبدأ البداية الصحيحة.. والمستوفية لشروط الحياة، والعلاقة مع الطبيعة والآخر.. الأديان السماوية جاءت من أجل إعلاء قيمة الإنسان، لأن الله العلي القدير كرمه على سائر خلقه، والمزيفون يريدون أن يجعلوا من الإنسان وقوداً للأحقاد والضغائن، المصنعون يريدون أن يجعلوا من الأرض بركاناً يحرق الأقدام ويكوي الأكباد، هؤلاء هم أعداء الحقيقة والحقيقة أن الإنسان سيد أرضه بما حباه الله به من عقل ودين. إذاً حكماء المسلمين، ثلة من المؤمنين، أنيطت بهم نثر ورود الجمال في قلوب الناس، وإضاءة صدورهم بقناديل الحب، والإيمان بأن الله حق، وأن الأديان جميعها هي دين واحد، يكمل بعضها بعضاً من أجل كون بشري آمن ومستقر، وعامر بالمحبة والألفة.