في ظل موجات التشاؤم، والوجوم العربي، وسيرة الدم المراق على عتبات الأرصفة وبيوت الله، وهذا التخاذل السياسي، وصمت العالم، أمام ما يجري من مذابح هنا، وتفجيرات هناك، وكأن عالمنا الإسلامي، وشرقنا المتوسطي، ووطننا العربي الكبير بات ينتظر الفواجع، وصروف الدهر الأغبر، ولتتكسر النصال على النصال، فلا أفق غير الرماد، لكن مثلما هناك من يهدم، هناك من يبني، وهناك من يفكر في حالنا ومستقبلنا، وهناك من يزرع الأمل، ولو بفتيل صغير أو سراج منير، المهم أنه لا يلعن الظلام ويكتفي كغيره، فدائماً هناك حل، وهنالك بصيص من نور، وهنالك فكر وعمل، وحب للتفوق، وعشق للمعرفة، فالغرس لا بد له من صبر، وأعتقد أننا أحوج الآن إلى أن نهتم بلغتنا، هويتنا، فهي الباقية، والمصونة بالتنزيل، لكنها مهملة، والبعض غدا يخجل منها، والبعض نبذها، وهاجر لغيرها، والبعض الآخر يلومها وكأنه نقص فيها، لا إهمال أهلها، وكم حاربها أعداؤها، لذا هي خندقنا الأول والأخير، وهي عزنا، وهي القاسم المشترك بيننا كعرب ومسلمين، وهذا قدر، علينا أن نفرح به، ونثمن هذا الاختيار! في ظل سحب الرماد العربي والدخان الإسلامي ينبري خبر من الإمارات - كعادتها- يفرح القلب، يخص العربية، ويعلي من شأنها، ويكرم فضائلها، ويؤنس يومها، وذكراها السنوية، مرة من دبي، وبتوجيهات سامية من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، صاحب المبادرات والرؤى والنظرات الثاقبة، العارف ببواطن ومواطن الداء، ولا يخفى عليه الدواء، فشرّع للعربية القوانين، وحماها ممن يرمي بشرر، وأعاد الاحتفاء بها، بالمؤتمرات والبحوث والدراسات والتوصيات، والجوائز، وإصدار المعاجم. ومرة من عاصمة الثقافة الشارقة، وبتوجيهات من حاكمها المثقف والمؤرخ والباحث، وباعث العربية، وقيم أهلها، والمزهو بها وبأهلها، الداعي لصفاء الإسلام وتسامحه، ونوره الحضاري، خبر آخر يرفع من قيمة لغتنا، ويرسي لها قواعد جديدة تتماشى من الحاضر المتغير، والمستقبل المتبدل، مجمع من مجامع اللغة العربية، جديد، ولكنه مختلف، لأن الشارقة الحاضنة، وصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الراعي والموجه، وصاحب المنظومة الثقافية ذات البعد الحضاري العربي والإسلامي. ثمة جهود متكاملة، وأعمال متراكمة في الإمارات تصب في خانة إعلاء العربية، والشعور بزهوها، وألقها الدائم، فقد غذّت لغات العالم، حين كانت تلك اللغات تحبو، وتلاقحت مع لغات أخرى منتجة المعارف والتراجم والمصطلحات والفلسفات، لقد وهنت العربية حين هان حال العرب، ووهنت قوتهم، لكن البشارات القادمات خير من المنكفات العاجزات، ولنتغن دوماً.. وأبداً: سجّل أنا عربي!