الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

«حقيبة».. و«كورة» وحلــم ضائــــع!

«حقيبة».. و«كورة» وحلــم ضائــــع!
19 ديسمبر 2016 22:39
أبوظبي (الاتحاد) بكل براءة وتلقائية ألقوا بحقائبهم على الأرض ليركلوا الكرة.. ليس من المهم المكان ولا الزمان ولا الأسماء ولا التاريخ.. ولكنهم مجموعة من الأطفال في بقعة من عالمنا العربي، بداخلهم حلم وأمل وطاقة موهبة، اختلسوا بضع دقائق من «الوقت بدل الضائع» بعد نهاية اليوم الدراسي، وألقوا بحقائبهم في الشارع وبداخلها كتب العلم والمعرفة والدراسة وسط أكوام القمامة، وكأنها رسالة احتجاج ضد الواقع الذي لايمنحهم الفرصة لممارسة الرياضة، وتسابقوا خلف الكرة. مشهد لن تجده فقط في منطقة الوحدات بوسط عمان، ولكنك تراه بنفس الصورة كل يوم في كل مكان فوق خريطة عالمنا العربي، هناك في قرية الطويلة بالشرقية في دلتا مصر، وأمام مدرسة «الحصاحيصا» الغربية جنوب الخرطوم، وفي الرياض يتكرر المشهد في منطقة قصر «المصمك»، وفي شوارع الكويت وحارات المغرب وأزقة تونس.. إنهم أطفال «الحلم الضائع».. ليس لديهم الوقت ولا المكان ولا الإمكانيات لممارسة لعبتهم المفضلة إلا بهذه الطريقة. قد يكون بينهم مشروع لاعب كرة رائع، أو عدّاء ألعاب القوى، أو ملاكم، أو عملاق كرة سلة، ولكن «لا وقت للرياضة فوق أجندة همومهم الدراسية اليومية». وإذا كان هناك ألف سبب تحول دون صناعة البطل الأولمبي في عالمنا العربي، منها الإمكانيات والدعم والعلم والأسرة والمدرسة والنادي والتخطيط والدراسة والرؤية والملاعب والثقافة والإهمال والوقت، فهناك سبب واحد للأمل، وطريق واحد للنجاح. نعم.. هؤلاء الأطفال بداية أي أمل، وطريق إلى أي نجاح، والرهان في أي تحدٍّ، والضوء في نهاية النفق. أي مشروع أو فكرة أو استراتيجية لصناعة البطل الأولمبي لا بد أن تبدأ من هنا لزيادة مساحة الممارسة في كل الألعاب وانتفاء الأفضل. ولكن هل «الطفل العربي» في برنامجه اليومي لديه «رفاهية الوقت» لممارسة الرياضة حتى «البلاي استيشن»؟! في السادسة صباحاً يستيقظ، والسابعة «الباص»، والثامنة الحصة الأولى، والثالثة يعود إلى المنزل، وما بين تناوُل الغداء، وماراثون الواجبات اليومية والدروس الخصوصية، يستهلك ما تبقى موعد النوم.. تختلف التفاصيل والأماكن والقصة واحدة. المغرب- محمد زيد لاعب في أحد الفرق الرياضية بمدينة الدار البيضاء يكاد يجزم بأن ممارسة الرياضة أمر «مستحيل»، لأن الحصص الدراسية في المدرسة المغربية تستمر من الثامنة صباحاً إلى السادسة مساء، مع تخصيص ساعتين كفترة للغذاء، طيلة أيام الأسبوع، ماعدا يوم الأحد، بينما يكون على التلميذ أن يمارس نشاطه الرياضي في فترة المساء، وهو وقت غير مناسب بسبب ارتفاع درجة الحرارة، بالإضافة إلى الواجبات «فروض دراسية في البيت». ويضيف: «أمام هذا الوضع يكون التلميذ ملزماً بالاختيار بين الدراسة والرياضة». ويحكي أشرف مرزوق (19 سنة)، أنه يواظب على أداء تدريباته في نادي شباب بنجرير لكرة القدم، لكنه يؤكد أنه فُصل من المدرسة بعد أن كرر في نفس الفصل ثلاث سنوات متتالية، وقال: «كنت أتمنى أن تتاح لي الفرصة لإثبات موهبتي ورغم أنني فضلت ممارسة الرياضة على الدراسة، فإنني بعدما بلغت المستوى الإعدادي بدأت نتائجي الدراسية تتراجع بشكل لافت، مما دفع والدي إلى منعي من ممارسة الرياضة، باستثناء يوم الأحد». السعودية - هبة الله المكرمي طالب بالصف الخامس الابتدائي بوادي صخي، يروى قصته مع الروتين اليومي كما يسميه، وجدول المدرسة، ويقول: «أيام الدراسة متشابهة، ولا يوجد فيها جديد، حيث نستيقظ في الصباح الباكر ونتوجه إلى المدرسة التي نقضي فيها ساعات طويلة ما بين الحصص والامتحانات وعندما نعود للبيت نكون قد وصلنا إلى مرحلة الإنهاك ورغم ذلك لا نحصل على راحة وبعد الغذاء، نقوم بعمل واجبات المدرسة، وفي وقت الفراغ ليس أمامنا سوى لعب البلاي استيشن». ويضيف:«حصة التربية الرياضية في المدارس لا جدوى منها ودائماً ما تكون حصة للجلوس في فناء المدرسة ولا توجد مسابقات وربما يتشاجر الأطفال، وأمور كثيرة بعيدة عن الرياضة، ولو سألنا أي طالب في المدرسة عن مدى حبه للحصص الرياضية ربما لا نجد أي طالب يجيب بالإيجاب». تونس- حمزة المناعي طالب بالثانوية العامة، يبلغ من العمر 16 ربيعاً، حبه وتعلقه الشديد برياضة الملاكمة دفعه منذ سنوات قليلة إلى البحث عن فريق يحتضنه ويصقل موهبته، فوجد الحل لدى نادي باب الخضراء في قلب العاصمة، ورغم أنه يقطن في حي آخر يبعد نحو 20 كم فإنه يصر على التدريبات. العراق - هادي إياد يقول «أبدأ اليوم بالنهوض باكراً وأداء التمارين الرياضية التي دأبتُ على ممارستها صباح كل يوم قبل موعد خروجي». ويحرص هادي إياد على ممارسة الكاراتيه ويقول: «في يوم العطلة أعمل على تقسيم وقتي بين الرياضة من خلال ممارستها في القاعة الرياضية القريبة من محل سكني كون الرياضة أعتبرها من أساسيات حياتي وأتمنى أن أصل لمستوى الرياضيين الأبطال». السودان - محمد جلال الدين يقول: «أتمنى أن يتغير الواقع الحالي إلى فرصة أفضل تمنحني فرصة أداء التدريبات الرياضية في كرة القدم وغيرها من الأنشطة الأخرى وفي مثل هذه الظروف تبدو الحاجة كبيرة لاستغلال أوقات الفراغ في الأشياء الإيجابية». الإمارات - علي النقبي عمره 12 عاماً، يدرس بالصف السادس الابتدائي بمدينة خورفكان، في مدرسة عبدالله بن ناصر للبنين في المدينة، إلا أن حلم الانضمام للنادي ما زال بعيد المنال لأن نادي الخليج يبعد عن منزله الذي يقع في منطقة اليرموك بمسافة 4 كليومترات. ينهض في الصباح الباكر، ومن ثم يتجه إلى المدرسة وتنتظره 7 حصص كاملة من المواد المختلفة ومنها حصة الرياضة، فالجدول الأسبوعي لهذه المرحلة به حصتان فقط للرياضة طوال الأسبوع. وتأتي حصة الرياضة بعد انتهاء المحاضرة الخامسة حيث يتجه علي مع أقرانه إلى الملاعب الفرعية في المدرسة والتي تفتقر إلى النجيل الطبيعي فهي ملاعب أسمنتية غير مجهزة. الكويت - عبدالله الدعاس هو قائد فريق الجهراء تحت 13 سنة ويناديه أصدقاؤه بـ(ميسي) باعتباره يلعب بيسراه، ويجيد تسجيل الأهداف ويقول: «يبدأ يومي في السادسة والنصف صباحاً لكي أذهب لمدرستي وابقى فيها حتى الواحدة والنصف ظهراً، وبعد قسط قليل من الراحة أذهب إلى المران بنادي الجهراء القريب لمدة ساعة ونصف الساعة». مصر - محمد عصام هو طالب بالصف الخامس الابتدائي بإحدى قرى ريف مصر، يقول: أحب كرة القدم، وألعب في المدرسة خلال حصة الألعاب وفي «الفسحة»، ولكننا ليس لدينا دوري لأن الحصص اليومية كثيرة ولا وقت والحياة اليومية في أيام المدرسة متشابهة. الأردن- حمزة الشنطي هو طالب في «الصف العاشر» بمدرسة الشاملة بالعاصمة عمان يستيقظ كل يوم في السادسة صباحاً، ويصل المدرسة في السابعة. ويكشف الشنطي عن أمنياته أن تحظى حصة التربية الرياضية باهتمام أكبر لدى صناع القرار، لا سيما أنها تعزز من ارتباط الطالب بمدرسته، لكنه لم يُخفِ في ذات الوقت أن الاهتمام الرياضي يجب أن لا يكون على حساب الدراسة. ........... انتهت شهادات مجموعة عشوائية من أطفال بجنسيات مختلفة. نفس الكلام.. ونفس الهم.. ونفس الوجع.. ونفس المشكلة.. والسؤال الذي لم أجد له إجابة بعد كل هذه اللقاءات السريعة مع أجيال المستقبل: هل هذا الواقع يصنع بطلاً أولمبياً؟ أم نضحّي بالدراسة من أجل «حلم الميدالية» ويدفع أبناؤنا وبناتنا الثمن في النهاية كما فعلت سارة سمير ورسبت في الثانوية؟!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©