* أن ترى شيئاً من ماض جميل يتراءى قدامك رأي العين، ماثلاً تستحضر النفس كيفما هو كان، وفي حضرة هيبة المكان، ومن كان، أمر مرّ على الفؤاد كبارد الوطر الجميل الذي مضى، كريح الشمال حين تأتي محملة، ومخبئة مطراً من خير، ذلك كان أول انطباع للجلسة التي أقامها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في قصر الحصن، مذكّراً ببرزة الشيوخ القديمة في عهود شيوخ آل نهيان، ومعطياً للحصن حضوره الجديد في الزمان، ولا يستطيع أحد مثلي، أو واحد من أترابي ومجايلي ممن عرفوا الحصن من جهاته الأربع، وعاشوا حول جنباته أزمنة متتابعة، لكنها مختلفة، إلا أن يسكن في تلك الساعات، ويتجلى، ويستدعي كل تلك الخواطر والذكريات الهاربة، بزمانها، وذاك المعروف الساري بين أوناسها، وجميل خيرها، قصر الحصن هو أبعد من مكان، وأقرب من حصن، وأكثر من شاهد، وأجمل ما بقي، تدرون أنه رئة المدينة، وعزها، وتاريخها الذي صمد، وأنه كُحل العين وإثمدها! * بعد سبع سنوات كانت كحلم الملك العُجاف، اطمأن قلبي على مبنى «المجمع الثقافي»، ورأيته ينهض من رماد النسيان، وما حاطه من أسوار وأسياج، كانت يد الخوف تضرب على صدري، كل حين وحين، خوفاً عليه من طغيان العمران، وخوفاً عليه من المباني العوالي، وخوفاً عليه من عشاق العصرنة التي تلغي التاريخ، ولا تعترف بهيبة الحضور، وخوفاً عليه من آراء معتمر قبعة، ويدعي أنه مستشار، ويخطف على أروقته كالمنشار، خوفاً عليه من التجاهل، وهمزات النكران، ومن يعدّه إلا مجرد جدار، كنت أتخوف عليه من أحلام يقظتي، ومن قسوة الحصار! * كنت مصطفاً في طابور طويل مع أبنائي لدخول قصر الحصن، وفعالياته، وكان يقف أمامي هندي بسيط، بيني وبينه مواطن، وحين وصله الدور، أظهر ورقة نقد من فئة خمسة دراهم متقرفصة، وربما تعرّقت في يده طويلاً، ليمدها للمسؤول عن تذاكر الدخول الذي فاجأه بأن سعر التذكرة للشخص عشرة دراهم، فانكفأ، وقتل ساعتها فضول المعرفة في نفسه، ولم يدر ماذا يعمل؟ وظل يتلفت بخجله، فسبقني المواطن الذي خلفه لينال ذاك الفرح، ودفع عنه، فدخل مسروراً كطائر، وسؤالي الذي في قرارة نفسي يتبع ظله، ويلاحقه، ولا أعرف هل أشكره على الزيارة؟ هل أتبرع وأشرح له ما أعرف عن المكان؟ هل أجعله كفرد من عائلتي؟ وأرافقه في التجوال سعيداً.. وأتشرّف!