الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا تريد بولندا معاقبة جنرال ميت؟

19 ديسمبر 2016 01:02
دائماً ما تعاد كتابة تاريخ أوروبا الشرقية: فمن الصعب بالنسبة إلى أي أمة أن تعيش مع إرث من الشيوعية أو التعاون النازي أو كليهما. ومع ذلك، فإن دولاً قليلة قد تذهب إلى هذا الحد كما فعلت بولندا في ظل «حزب القانون والعدالة» القومي. والآن، تخطط بولندا لتجريد «فويتشخ ياروزلسكي»، آخر حاكم شيوعي للبلاد والذي توفي عام 2014، من رتبة «جنرال». «أريد أن أخبر البولنديين أن اليوم هو آخر مرة يستخدم فيها ضابط بوزارة الدفاع كلمة (جنرال) مع اسم السيد ياروزلسكي»، بحسب ما أعلن وزير الدفاع «أنتوني ماتشيريفيتش»، موضحاً أن نفس العقوبة تنطبق أيضاً على «تشيسلاف كيشتشاك»، رئيس الوزراء السابق وحليف قريب من ياروزلسكي. وأضاف: «إن المجرمين المسؤولين عن استخدام السلاح ضد شعبهم لا يستحقون حمل أي رتبة عسكرية». ويعد ياروزلسكي واحداً من أكثر الشخصيات تعقيداً خلال القرن العشرين في أوروبا الشرقية، وهي المكان الذي مس فيه التعقيد المعنوي وعواقبه الوخيمة كل أسرة. ويذكر أن حفيد أحد الجنرالات البولنديين، الذي تمرد ضد الإمبراطورية الروسية وابن الرجل الذي تطوع للقتال ضد الغزو البلشفي الروسي عام 1920، قد فقد بصره تقريباً في معسكر عمل في سيبيريا، ما أجبره على ارتداء نظارة داكنة بقية حياته. وبعد الإفراج عنه أثناء الحرب العالمية الثانية، أراد أولاً الانضمام إلى جيش بولندي مستقل، بيد أن كل ما كان متاحاً له هو الخدمة في وحدة بولندية شكلها السوفييت. وقد ساعد الروس على الاستيلاء على وارسو وبرلين، لينهي الحرب وهو حاصل على رتبة ملازم. وساعده عمله اللاحق في بولندا التي يديرها الاتحاد السوفييتي على صعوده إلى قمة جيش البلاد. فقد كان جزءاً من النظام، وكما هو الحال مع صديقه «كيشتشاك»، شارك في القمع الوحشي للحركة العمالية المتنامية في بولندا. وبحلول عام 1981، كانت الحركة النقابية العمالية «التضامن» من القوة بحيث تمكنت من الاستيلاء على السلطة في بولندا. وأعلن «ياروزلسكي»، الذي كان الزعيم الشيوعي للبلاد في ذلك الوقت، الأحكام العرفية لقمع التمرد. وفي وقت لاحق، وعند التقاعد، زعم أنه فعل ذلك لمنع تدخل الجيش السوفييتي على غرار حملات مماثلة في ألمانيا الشرقية (1953)، وفي المجر (1956)، وفي تشكوسلوفاكيا (1968). لكن الرياح القادمة من موسكو كانت تتغير. وكما كتب «أندريه راباتشنسكي» في تاريخه الموجز للسياسة الدستورية البولندية في «لو ريفيو» الصادر عن جامعة شيكاغو عام 1991، فإن «السلطات الآن لديها فرصة أكبر للمناورة ولم يعد بوسعها الاختباء خلف تهديد التدخل السوفييتي. وفي النهاية، وبعد بعض التردد، قررت السلطات التحرك في اتجاه تقاسم السلطة الحقيقي». وفي عام 1989، عقد ياروزلسكي «محادثات المائدة المستديرة» مع حركة «تضامن»، بقيادة «ليخ فاليسا»، والكنيسة الكاثوليكية وجماعات أخرى. وقد انهارت التسوية التي توصلوا إليها، والتي أعطت الشيوعيين أغلبية برلمانية وقلدت ياروزلسكي منصب الرئيس، بعد أن مني الشيوعيون بهزيمة ساحقة في انتخابات 1989. وبعد ذلك بعام، تنحى ياروزلسكي عن الحكم. وكان يتعين عليه، لبقية حياته، وفي المحكمة في أحيان كثيرة، تفسير العديد من قراراته السابقة. وعندما مات، تم دفنه مع مرتبات الشرف العسكرية، لكن المتظاهرين الغاضبين عرقلوا جنازته، واصفين إياه بالمجرم. ومنذ أن تولى «حزب القانون والعدالة» السلطة في عام 2005، كانت المراجعة التاريخية واحدة من أهم أهدافه. وتصور نسخة الحزب لهذه المراجعة بولندا كضحية لكل من النازية والشيوعية. وهي تعترف بالأبطال الذين قاوموا كلا الشرين وليس هؤلاء الذين تعاونوا مع النازيين أو الشيوعيين الذين حاولوا قصارى جهدهم شق طريق وسطٍ تحت عين الكرملين الرقيبة. وفي هذا العام، استولى الحزب الحاكم على المعهد الوطني لإحياء الذكرى. فهو يريد استخدام هذا الكيان لاستئناف التطهير، أي عملية تصفية الشيوعيين السابقين والمخبرين من المؤسسات الحكومية، العملية التي توقفت في ظل الحكومة السابقة. وبالنسبة إلى أوكرانيا المجاورة، التي تؤمن أيضاً بالتطهير وتنشئ نسخة جديدة من التاريخ الوطني، فقد اتخذت خطوات لتجريم ماضيها السوفييتي. ومع ذلك، فإن محاولات أوكرانيا لتعظيم الذات تتعارض مع الجهود البولندية. فقد قامت بولندا، في ظل «حزب القانون والعدالة»، بتمرير قانون لإحياء ذكرى «الإبادة الجماعية» للبولنديين على يد وحدات قومية أوكرانية. أما أوكرانيا، من جانبها، فقد حظرت انتقاد هؤلاء القوميين ذاتهم من جيش المتمردين الأوكراني، وبعضهم قام بالتعاون مع المحتلين الألمان، على الأقل في البداية. *كاتب عمود في «بلومبيرج فيو» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©