يتصور البعض أن التغير هو انحراف عن المسار الطبيعي للفكر، وبالتالي فإن الحرب على تغيير المفاهيم قائمة وتسير على قدم وساق، ومن يقود هذه الحرب الشعواء هم المتطرفون، والسؤال لماذا يفعل هؤلاء كل هذا السلوك العدائي للتغيير؟ المتطرف تماثل وتطابق من الكُل، واندمج فيه إلى حيث الطرق وفقدان الأنفاس، الأمر الذي يجعله لا يستطيع القبول بأمر التجديد لأنه لم يرَ أمامه غير الحالة الراهنة التي يعيشها، ولذا فنجد المتطرف الديني يحارب بشراسة متناهية، ويواجه العالم بعدوانية مريعة، ويتكدس ويتمترس، عند نقطة اللا وعي، بحكم أنه لم يجد الضوء التنويري بعدما لم يجد ذاته، إلا من خلال مؤسسته الدينية الطائفية المتطرفة، فالمسلم المتطرف لا يجد في المسيحي إلا كافراً، وكذلك المسيحي المتطرف لا يجد في المسلم أو سواه إلا متخلفاً، الأمر الذي يجد من هذه المؤسسات كانتونات صلبة، لا تفهم معنى التغيير سوى أنه قضاء على الحياة.. والتاريخ على كوكبنا يُعلمنا أن في الأشياء الصلبة نتيجة حركة جزيئاتها أمرا طبيعيا، ومن سنة الحياة وارتقائها.. ألا يتحول الحجر الصلب إلى أحجار كريمة، وكريستال، وألا يتحول الكربون إلى ألماس.. ماذا يحصل لهذه المكونات الطبيعية.. إنه الارتقاء الطبيعي للكائنات وإنه الانتماء الحقيقي إلى الحياة ومتطلباتها في التجديد للحفاظ على النوع. من يزمت فهو خارج التاريخ وتحت الأرض، ومن يتعنت فهو يقود نفسه والآخر إلى الفناء، لأنه يخالف متطلبات الطبيعة الكونية.. والله تعالى يقول: «وابتغِ فيما أتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض، إن الله لا يحب المفسدين»، سورة القصص الآية77. فالعمل لأجل الانفتاح على الآخر، طريق المؤمنين، وهو الطريق الذي يقود إلى نور الحياة ضد ظلام الجهل والبغي والطغيان، الذين يفهمون الحياة يعرفون أن طريق الخلاص هو الوصول إلى الآخر، من دون أفكار مسبقة ومن دون ذهنية محتقنة بالحقد والأسى. الله أنشأ الأرض، وطلب من عباده إعمارها، وإعمار الأرض ليس بالتكنولوجيا وحدها، بل أيضاً بإضاءة الروح بالشفافية.