لعلها ليست مصادفة أن تفجر كنيسة قبل أعياد الميلاد المجيد في مصر أو يفجر سوق عشية عيد الأضحى في بغداد أو تفجر ساحات تاريخية وسياحية في إسطنبول مع بداية الموسم السياحي، اليوم الإرهاب يريد من ضرباته أن توجع مرتين، مرة بالتفجير، ومرة بالمناسبة، ولعلنا لا نتحدث عن الصلة بين التفجيرات المختلفة وفي المناطق المتفرقة، إلا إذا اعتبرنا أن الإرهاب عمل جبان وواحد، مهما كانت اليد المخططة والمنفذة، فمن يقتل المصلين في المسجد، بالتأكيد لا يعرف ربه، ومن يلطخ جدران الكنيسة بدم الأبرياء المحتفين بميلاد النبي عيسى عليه السلام، بالتأكيد لا يؤمن لا بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله، ومن يضحي بالمسلمين قبل أن يقيموا شعائر أضحية العيد، لا يعرف من الإسلام إلا إراقة الدم، ولو كان دماً مسلماً أو دماً بريئاً. علينا دائماً أن نتوقع المزيد من الأحداث الجسام قبل أي مناسبة دينية أو وطنية أو مناسبة عامة، لأن الإرهاب يجدها الفرصة الأنسب للضرب واثخان الجراح، ولو استرجعنا ذاكرتنا للوراء قليلاً، فسنجد حادثة «نيس» الفظيعة متوافقة مع احتفالات العيد الوطني الفرنسي، ولو تذكرنا المناسبات الدينية فسنجد تفجيرات ومفخخات تخص الجانب المسلم هذا وذاك، وأحياناً تكون بفعل من الجماعة نفسها، لإشعال الصدور بالبغضاء والكراهية ضد الآخر، والمثال الأكثر وضوحاً، ما حدث في باكستان أو أفغانستان ومدنهما المختلفة، فدائماً ما يختلط الدم بقدسية المكان. ولعل الأيام القليلة القادمة تجنبنا سماع ما يسوء أو توقع ما يحدث من بلاء هنا وهناك يخص الإنسان في كل مكان بغض النظر عن دينه أو معتقده أو مذهبه، لأنها أيام تحمل من المناسبات الدينية والاحتفائية ما يجعلها عرضة للتفجير، ودويه المميت، وبث الرعب في قلوب الأبرياء، فيحجمون عن الفرح، وعن الاحتفال، وعن السعادة التي جبلوا عليها، وعلى فعلها في مثل هذه المناسبات، فالإرهاب اليوم يتقدم أي احتفالية، لأنه يمكن أن يزرع الشر مكان الفرح، حتى غدت احتفالات العام الميلادي مرصودة أمنياً، ومحترزة من قبل الأجهزة المختلفة لأي طارئ يمكن له أن يقتل فرح الناس البسطاء، ويقلب سعادتهم إلى أحزان، وبسماتهم إلى دموع. لذا أيدي الناس الطيبين على قلوبهم، ودعواتهم تسبق أمنياتهم أن تمر المناسبات دون أن يراق على جوانبها الدم، فلا نريد من أجراس الكنائس أن تقرع إلا فرحة ببشارة الميلاد، واستقبال عام جديد، ولا نريد أن نسمع تهليلات وتكبيرات الجنائز والنعوش السائرة للمقابر قبل وقتها، وبفعل بعض السفهاء منا!