«حين لا يجد اللص ظرفاً مناسباً لكي يسرق.. لا يعني هذا أنه أصبح شريفاً». تنطبق هذه الحالة على المرتشي والمخرب والحقود.. وكثير من أصحاب هذه الميول؛ فغياب الظروف المناسبة لإظهار حقيقتهم، لا يعني أنهم غير ذلك. غير أن عدم توافر الظروف لا يعني عدم قدرتنا على توقع ميولهم، فهناك بعض الكلمات البسيطة والجمل العفوية التي يُطلقها الناس وسط حديثهم بلا أدنى انتباه تدلل على توجهاتهم. وحسب علماء النفس، عادة ما تفضح هذه الكلمات البسيطة قناعات ضخمة وعميقة جداً متأصلة في نفوس من يطلقونها، مهما بدا سلوكهم العام يوحي بعكس ذلك. وكما يرى علماء النفس أيضاً، فإن إخضاع هؤلاء الناس للملاحظة لزمن طويل نسبياً، سيُظهر بشكل أو بآخر تلك القناعات كسلوك فعلي بمجرد أن تتوافر بيئات آمنة لإظهار قناعاتهم. ‏حسناً.. هذه الحقيقة الإنسانية لا تحتاج علماء نفس ومتخصصين في السلوك الإنساني لمعرفتها، فكل ما نحتاجه فعلا لإدراك ذلك ورصده، ذهن مُتقد وبصيرة نقية لملاحظة الإشارات التي يطلقها الناس بشكل متكرر طوال الوقت -بلا أي قصد- عما هو مستقر في نفوسهم، سواء عبر مفرداتهم المستخدمة أو تعابير وجوههم. وكما هو الحال في الحب الذي تفضحه العيون؛ كذلك هو حال المشاعر السلبية، غير أن مفاتيح معرفة هذه المشاعر أسهل بكثير من معرفة مشاعر الحب؛ فالكره والحقد على سبيل المثال مشاعر تفضحها العبارات المقتضبة في الحوارات اليومية أو التعليقات على الأحداث العامة، فتظهر القناعات الدفينة والنوايا المبيتة والتي قد ينكرها صاحبها بشدة في حالة مواجهته بها. ولكن هل حقاً أن صاحب هذه المشاعر السلبية لا يعرف ما تكنه نفسه! في رأيي أنه فعلا لا يعرف ذلك، أو على الأقل أنه لا يدرك حجمها وإمكانية تحولها إلى واقع فعلي، وإن شعر بها فإنه سيقدم لنفسه وللآخرين تبريرات وحججاً بشأنها. ولعل هذا يضعنا أمام مسؤولية تجاه هؤلاء الذين يملكون هذا النوع من المشاعر، فتبيان أن ما يصدر عنهم من وقت لآخر من كلمات وعبارات، إنما إرهاصات أولية تنتظر فرصة لتجد طريقها الفعلي على أرض الواقع وتحذيرهم من عواقب ذلك. هذه المشاعر موجودة حولنا بكثرة، نجدها قريباً جداً، ومن قريبين جداً، قد يكون قريباً أو صديقاً أو حتى زميل عمل أو متابعاً لك عبر صفحات التواصل الاجتماعي، من رفقاء في جلسة حوار؛ هم حولنا. فقط حاول أن تكون بصيراً وتلتقط تلك الإشارات، كإجراء وقائي، قبل أن تتحول كلماتهم إلى أفعال قد تؤذيك.