لا يشكل مجلس التعاون الخليجي تجمعاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً ورياضياً فحسب، بل هو اتحاد في الوجدان، هو الجوهر في أحلام الناس، وعندما تذهب أنت إلى أي دولة خليجية، تشعر وكأنك انتقلت من غرفة في منزلك إلى غرفة أخرى، في هذه الغرفة، تجد أخاك أو أختك، والحب ثالثكما، يناولكما رغيف الحياة، فتزهر أشجاركما، وتثمر أغصانكما، ويتسع المحيط في وجدانكما، وتبدأ الموجة في الوشوشة، تحكي عن قارب مخر عباب بحر الخليج العربي، بحثاً عن لؤلؤة كانت بحجم الأوطان الستة، بحجم مشاعر الحب التي تضم قلوب عشاق الموال البحري، وأشواق الزرقة في الأعماق.. في الخليج العربي الكائنات الملائكية، تداعب سواحل الحلم بعيون وميضها يغسل الماء، فتبدو الزعانف مثل مراوح صغيرة، تروغ عن الوجوه، حرقة الأيام القائظة، وطموحات مثل أجنحة الفراشات ملونة بالفرح، والآمال العريضة، تدغدغ الشطآن، بأغنيات البحارة وحناجر ذوي السواعد النحاسية. خليجنا واحد، والتاريخ مثل الرمش، يحف العيون بحروف زيّنت الطرق وأزهرت الظرف.. خليجنا واحد، لأن في صلب التكوين هناك لغة في الوجود، ولغة في زوايا القلب، هذه هي لغة الدم، لغة الفكرة الواحدة، لغة الزمن المتسلسل في العروق، المتسرب منذ البدء في الخلايا والنوايا، والمزايا، متحرك في شريان من وجدوا في التعاون الخليجي قلباً، وفي مكوناته أعضاء للجسد الواحد، فأنت في الإمارات أو أي دولة من دول التعاون، فأنت في محلك ومنزلك، أنت في قلب المكان، أنت في جملة المقال.. هذه الشيمة التي يتمتع بها أبناء مجلس التعاون، وهذه القيمة التي أسداها القادة ليظل الخليج العربي نقياً صافياً، لا يخضع للمساومات، ولا ألوان أسماك الزينة، ولا الورود البلاستيكية، دول التعاون هي هكذا في الطبيعة، شجرة وارفة الظل، طيورها بشر غردوا للكون، ورفعوا النشيد عالياً منسجمين مع أنفسهم، متصالحين مع الآخر، ذاهبين إلى الأفق بصحائف وصحف، بيضاء ناصعة من غير سوء.. دول التعاون، بالحب أسقت بساتين العالم، وبالحب نهلت من معين الكتب السماوية السمحاء.. وبالحب أيضاً أضاءت النجوم وأعشبت الأرض، ورفعت الجبال، ونهضت بالمحيطات ومدّت إلى المدى شراعاً، شهامته من قيم الموجة، ونخوته من أخلاق لؤلؤة الأعماق.. دول التعاون الاكتشاف الأخير في آونة العالم، لكون تَشكَّل قبل تكوين العوالم الأخرى، أصبح الآن واقعاً، أصبح حلماً، أصبح صداً ورداً، أصبح ردعاً ودرعاً، أصبح الحصن والحضن، أصبح المكان والزمان، لكل من يريد أن يعيش خارج دوائر الصراع البشري، أصبح النهر والمحيط، أصبح الشجرة والطائر، أصبح كل هذا بفضل الذين يربتون مشاعر الناس بالابتسامة والذين يهذبون أفكار الناس بالكلمة الطيبة، والذين يشذبون الحياة بأنامل البوح، تدهش ولا تخدش، وتفشي أسرار الصحراء، وحسن تكوينها. دول التعاون، مجمع للأخلاق الفاضلة، ونوايا الأصفياء الذين ينسجون حياة الناس، بخيوط من حرير، وسرد من حرية مؤمنين بأن الحياة شجرة، نحن الذين نضع الثمرات على أغصانها.