كنت في سوق السمك بمنطقة ميناء أبوظبي، أتجول بين ”الدكات”، سوق تنقل في المدينة كلما عنى لها أن تكبر وتتوسع على مدى العقود الأربعة الماضية، عندما سمعت صفيراً ونداءات، وفي ثوان تغيرت معروضات واختفى عاملون قبل أن يلتقطوا أنفاسهم بعد أن اكتشفوا أن الصفارة والنداء، إنذار «كاذب»، من غارة لمفتشي العمل، ومجرد جولة لطبيب السوق، والذي كان إلى جانب توزيعه للابتسامات، لا يبخل أثناء وقفاته بشرح سريع ومبسط لكيفية التفريق بين الطازج والفاسد من السمك. مشهد مختلف عن جولات تتحدث عنها «حماية المستهلك»، وتقول إنها مفاجئة، بينما هي في حقيقة الأمر أشبه بالزفة بمرافقة الإعلاميين وكاميرات التصوير لدرجة أنها فقدت مصداقيتها عند الجمهور الملسوع بزيادة الأسعار، والزيادات التي تكوي الجيوب وترهق القلوب. نعود لسوق السمك، وبعيدا عن ”السهج” للتركيز على واقع الهيمنة الكاملة للعمالة الآسيوية عليه، لدرجة السيطرة التامة والكاملة من عملية الصيد، مرورا بفرض السعر عند مرحلة الدلالة وانتهاء بالبيع في السوق. وأعتقد أن هذه الهيمنة هي وراء الحالة التي وصل إليها السوق الجديد في “المشرف مول”. بل وتقف هذه الحالة وراء ظهور قصص وحوادث مؤلمة كحالة فقدان ”نوخذة” مواطن إثر اصطدام سفينة تجارية بقارب الصيد الذي غفا عماله الآسيويون، ولم يكن الشاب النوخذة يجيد السباحة، ولكنه اضطر للقبول بهذه الوظيفة بعد ما سدت الأبواب في وجه، وتمت الاستعانة به لتلبية اشتراط عدم خروج قوارب الصيد للبحر إلا بوجود نوخذة مواطن!!. كما تحدث بذلك لوسائل الإعلام المحلية شقيقه. تكثيف الجولات الميدانية مطلب مهم، والمفاجئة منها مهمة للغاية لقطع الطريق على كل بائع أو تاجر يتوهم قدرته على التلاعب بأقوات الناس، وبالذات في هذا السوق. لما يمثل البحر في الذاكرة الشعبية، والسمك كمادة رئيسية على المائدة الإماراتية والخليجية. ولكن ما يجري ترك هذه الفئة من العمالة والسماسرة والتجار تدير المشهد بطريقتها وبما يخدمها ومصالحها، وتتحكم في أسعار وكميات المعروض من الأسماك، وغيرها من أنواع الغداء. نتمنى زيارة مفاجئة حقيقية لمسؤول معني بالأمر، ليلمس حجم الفجوة في هذا السوق بعد أن استمرؤا غض الطرف عما يجري فيه.