أينما يلتفت المرء يجد إنساناً شقياً يتوارى تحت ركام الحجر والتراب، ويرى أطفالاً رضعاً وشيوخاً عاجزين وكبار سن، ومن تبقى تكبل خلف القضبان البائسة، أو زج بهم إلى السجون، حتى ضاقت بهم الحال على أشد ما يمكن، هذه هي اللوحة التي ترتسم معالمها في بلاد الشام وأجزاء من بلاد العراق، محنة عربية المعنى واللغة، وقد تكون أسوأ محنة مع تجدد لغة الشتاء البارد وعواصف الثلوج، لغة أشبه بالجحيم الذي يتعاظم يوماً بعد الآخر، وشيئاً فشيء سيتناسى العالم هذه الفئة من البشر، بعد أن يحيلهم الشتاء إلى مأساة. يتجدد الشتاء ويهرم الكبار ويبكي الصغار بلا مأوى ولا دواء، والدب الأبيض كان ولا يزال يتبجح بالمأساة، ويواري فشله السياسي بالعالم على حطام البشر العزل، ويود أن يصنع قوته ومجده من دماء الشعوب العزل، وهذا ما يحدث في ظل غياب مجتمع الحضارة الذي رسم يوماً لوحة الإنسانية العظمى، وبات يفتقد ألوانها، ويتجرد من عالمها، وبات ينهزم من ثقل المهمة، كون السلام العالمي بات محطماً، وباتت الحياة أشد قساوة من قبل. وهل طلت لغة الغاب من جديد؟ لغة لم تعتدها البشرية في العصر الحديث، ولم تعرف بأن يد الشر ستطول من أجل قطف ثمار الحياة أو من أجل طمس معالم الإنسانية بعد لوحة الرقي التي ارتسمت على أجمل معالم، وكتبت بلغة الحرية والسياسة المتزنة، وقد زينت بنسيج جمال الحضارة والتقدم، وكان المرء منا في اعتقاد دائم برحيل القيم البالية المكتسية على أمر العصور بدماء البشرية النقية، ولكن تظل الإنسانية هي الذات المشرقة التي تطل على الحياة مهما بلغ من العالم ما بلغ، لن يفقد العالم بوصلة الإنسانية. فهناك رموز للبشرية الحق وللحضارة المشرقة، وبها الحياة لن تفقد عبقرية العيش بالسلام، وستنهض منها ثقافة الحياة الحق أكثر قوة وحماساً، وستنبذ ثقافة القوة والتسلح الأعمى وهمجية التمزق الفكري، ستنحسر من شرفات العالم، وسيبقى رونق الطبيعة البشرية المتحضرة، وهي مذهلة ومتناغمة مع روح الزمن، ومع الاتزان الفكري، والأجمل استعادة روح الذات أمام جغرافية الأمكنة المحطمة من العالم. وقالها الشابي من قبل: فمن أراد الحياة لا بد للقدر أن يستجيب له، هذه الكلمات التي تختزل المأساة، وتجسد لوحة الخلود في قافية تنزع حق الطغاة في العيش، وتمنح الشعوب وجودها.