حينما تقوم دولة جميلة بكل المقاييس كندا مثلاً، بمتابعة مواطنيها في الخارج ليس أمنياً، ولا رقابة احترازية، كما تفعل دول الأنظمة الشمولية، ولكن لكي تهتم بشيء بسيط يدخل الفرحة لنفوسهم، ويمكن أن ينتزع الضحكة من صدورهم، فتعنى بتركيب ثلاجات كبيرة ملونة بالأحمر والأبيض ومزدانة بورقة «الأسفندان»، مكونة العلم الكندي في أماكن سياحية عالمية مثل برج إيفل وبرج بيزا المائل وغيرهما من الأماكن السياحية الجاذبة، وتطلب من المواطن الكندي في غمرة تعبه وممشاه إن أراد أن يشرب أو يكتفي بتصبيرة أن يمرر جواز سفره الكندي لتفتح الثلاجة له مصراعيها، ويأخذ حاجته مجاناً، ومكتوب داخلها جملة في غاية الروعة: «قد تعبر المحيط، ولكن وطنك فقط هو من يروي عطشك»! لا تقولوا إن المواطن الكندي في ذلك المكان الغاص بالسياح من كل حدب وصوب لن يتباهى، ويشعر بالفخر وكثير من الاعتزاز، وبشيء من السعادة في الصدر لتلك اللفتة الصغيرة، والتي يراها كبيرة أمام الجميع، والذين قد يحسدونه عليها أو يغبطونه عليها أو يجعلهم يفكرون بحالهم، وبأشياء بسيطة كان يمكن أن تدخل السرور عليهم مثل ذلك المواطن الكندي، بالمقابل هناك شعوب عتّالة وحمالة أسيّة وقضية، لن يلتفتوا لذلك البذخ من الرفاهية والسعادة الطرية، فهم يكدون الليل ويواصلون به النهار من أجل أن يفنى الشعب ويعيش الزعيم! ولأن للسعادة طرقاً عديدة يمكن أن نتعثر بها في مشينا أو يمكن أن توقفنا كحجر الطريق إن غذينا المسير ولم نلتفت، ثمة صورة إنسانية عالية وصافية، وكأنها ليست من دنيانا الزائفة، وبقدر ما فيها من هيبة وإجلال ووقار لذلك الجالس في عيادة طبيب ينتظر دوره مع المراجعين، بقدر ما تبعث للعالم وللإنسان في العموم رسائل من السعادة ومن جمل الخير، الجالس بين شعبه في تلك العيادة إنما هو مريض جاء يراجع طبيبه، ولكنه يحمل صفة رئيس الأرغواي يدعى «موخيكا» أو «بيبي» كما يطلق عليه الناس، هذا الرئيس «الطيب» حين ترى جلسته بجانب مواطنه لن تعتقد إلا أنهما فلاحان أتيا للتو إلى المدينة، وهما ماكثان فيها ليومين لشراء معدات للجرار الزراعي، وبعض الأدوية المعالجة للآفات الزراعية، وإن سمح الوقت مرا على عيادة طبيب يعرفانه من قريتهما، لكنه اليوم شخص مشهور فيها، هذا الرئيس والوزير وعضو البرلمان وقبل كل ذاك المناضل، مازال يسير بسيارته القديمة، ومتنازل عن راتب الرئيس لأعمال الخير، وبلاد تكاد تخلو من الفساد، في عوالمنا لو زار وزير عيادة تخربط الطبيب وعطل المواعيد وصرف المرضى وأغلقت العيادة أبوابها، ولم نكن نعلم بحضور الوزير لولا ظهور صورته مع الطبيب مبتسمين على «الانستغرام»!