من المهم أن يعرف الجميع في الإمارات أن قمة عالمية مهمة عقدت في أبوظبي في الثاني من ديسمبر، ففي خضم احتفالاتنا باليوم الوطني عُقد مؤتمر عالمي مهم، شارك فيه رؤساء دول، وسيذكره العالم طويلاً، وهو «المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر»، وقد يبدو اسم المؤتمر معقداً، لكن من المهم جداً فهم دور وأهداف هذا المؤتمر العالمي، والذي يتلخص في العمل على تشكيل تحالف دولي جديد من أجل الحفاظ على الآثار والمواقع التاريخية، وكذلك الأعمال الفنية، وكل ما يتعلق بالحضارة الإنسانية، والمنجز البشري خلال النزاعات التي تشهدها الدول، فبعد أن لاحظ العالم اعتداء الإرهابيين والجهلاء على الكثير من المواقع التاريخية، وهدم الآثار التي تعود إلى آلاف السنين بحجج رجعية، بالإضافة إلى تزايد نشاط تجار الآثار والمهربين في الاتجار بتلك الآثار، أصبح العمل على حماية تلك الآثار أمراً مهماً للغاية. ولأوَّل مرة في تاريخ البشرية، تتم تعبئة عالمية بهذا الحجم لحماية التراث في وقت النزاعات، ويأتي هذا العمل الإنساني المهم نتيجة طبيعية لسعي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، للقيام بشيء عملي تجاه التهديد والخطر الذي يواجهه التراث الإنساني، وبالتالي ضرورة القيام بجهد عالمي لمواجهة تلك الأخطار. في منطقتنا العربية وبسبب استمرار الحروب، والنزاعات على مدى عقود وانتقال تلك النزاعات من بلد إلى آخر أصبحنا نشعر بمدى الخطر، وفي الوقت نفسه نشعر بضرورة العمل الجاد من أجل إيقاف نزيف التدمير ونزيف السرقات وتهريب الآثار. أما «إعلان أبوظبي»، فهو رسالة جديدة إلى العالم بأن دولة الإمارات تهتم بقضايا العالم كلها، ليس السياسية والاقتصادية والعسكرية فقط، وإنما أيضاً القضايا الثقافية والحضارية تنال اهتمام قيادة الإمارات، ولأن الإمارات تؤمن بالمستقبل، فإنها تدرك قيمة الماضي وتراثه، وتحترم تجارب البشرية على مر العصور، لذا، فإنها تسعى للمحافظة عليها. وبلا شك إن مثل هذا الإعلان هو طوق نجاة لذاكرة الشعوب، وسيساعد بشكل كبير على حماية التراث الثقافي في مناطق الصراع الحالية والمستقبلية، فقوى الظلام والإرهابيون لا يتوقفون عن عبثهم، وهو ما يتطلب جهداً عالمياً لمواجهتهم، وأدوات فعالة لإيقافهم ومنعهم من الاستمرار بالسرقة والتدمير. وكم كان رائعاً أن تجتمع أربعون دولة في عاصمة الإمارات أبوظبي لتعبر عن إرادة شعوبها في مكافحة التدمير المنهجي للتراث الثقافي، وفي الوقت نفسه تعمل على وضع مبادئ وأسس الحفاظ على التراث الإنساني، وما يؤكد جدية الإمارات وفرنسا في إنجاح هذه المبادرة الثقافية العالمية هو عقد هذا المؤتمر وإنشاء صندوق دولي بقيمة مائة مليون دولار لتمويل التدخلات السريعة لإنقاذ المعالم التراثية.