في حوار متشعب تطرق فيه المشاركون إلى الحديث عن بعض تجارب الأمم والممالك في العصور الإسلامية السابقة، وكذلك عن نماذج من رجال الدولة «الطليعيين» - ممن كانت لهم أحلام سعوا لتحقيقها في وسط مُعارض، أو في أفضل الأحوال أحلام لم تتطابق مع الحدود الاجتماعية والثقافية في ذاك الزمن، ما يقلل من فرص تحقق تطلعاتهم - اتجه النقاش بنا إلى نموذج القيادة في دولة الإمارات كونه يُعد طليعياً، وكان وجه الغرابة فيه كونه، ورغم عدم تطابقه مع الواقع الثقافي والاجتماعي للمحكومين في ذاك الزمن، فإنه لم يحد من انصهارهم بسلاسة مع تطلعات قادتهم، بل وتبنوها تماماً في زمن قياسي! أشار بعض المشاركين في النقاش أن هذا أمر استثنائي، كون أن الأمر لا يسير بهذه الطريقة، حسب المعتاد والمنطقي والتجارب التاريخية، ولكن هل حقاً يعد ذلك استثناء؟! على غير ما اعتدنا تفسيره بمعايير العلم والمنطق والتجربة السابقة، هناك الكثير من الأمور حولنا لا تخضع لذلك، فيطلق عليها «استثناء»، غير أن هذه الكلمة ستبقى تبريراً واهياً لأولئك العجزة غير القادرين على تفسير الأمر أو الظاهرة، لأنهم - بشكل أو بآخر- لا يرغبون في الإعلان عن المعطيات الحقيقية المقدمة للظاهرة، سواء لعدم علمهم بها وبأهميتها، أو خوفاً من انتشارها، أو في أفضل الأحوال مراعاة لمشاعر الآخر غير القادر على تحقيق المعطى. عندما نُطلق على حالة أو أمر ما استثناء فإننا لا نقدمه بما يستحق، وخصوصاً إذا تحدثنا عن ظواهر مميزة وجميلة تستحق أن تكون ملهمة للآخرين، فكيف ستصبح تلك النماذج قدوة لو أخبرنا إنها استثنائية ولا تتكرر؟! ينطبق ذلك على قصص نجاح البشر والدول أيضاً، فالمعطيات ما هي إلا مقدمات تؤدي إلى نتائج عادة متوقعة، ولكن هل بالفعل نحن نُدرك كل المعطيات؟بالتأكيد نحن لا ندرك كل المعطيات، غير أننا عادة ما نكتفي بالإشارة إلى الظاهر منها، ولأننا لا ندركها كلها، فإننا نضفي على الأمر أو الشخص أو التجربة الناجحة التي خالفت المُتوقع صِفة «الاستثناء». الحقيقة أن الاستثناء في تجربتنا الإماراتية، أنها امتلكت مُعطىً يجب أن يكون قاعدة لأي تجربة وحدوية سياسية، وأي دولة ترغب في أن يكون لها مكانة متصدرة بين الدول، وهو حب القيادة وصدقهم اللامحدود للوطن والشعب، فعلى الرغم من بساطة ذلك فإنه يفوق تصوراتهم، ففي حين يصر البعض على أن الوفرة الاقتصادية المتحققة من عوائد النفط هي السبب الفعلي لنجاح التجربة، فإنهم يتجاهلون تماماً تماثل هذه العوائد بل وأكثر منها في دول أخرى تتشارك الإمارات الواقع الثقافي إلى حد كبير. الحب والصدق هو الاستثناء.. الذي أصبح في الإمارات «قاعدة».