اشتهر الخليج بصيد اللؤلؤ وتجارته. كان عصباً اقتصادياً مهماً في مسيرة التاريخ ونشاط الناس، إلا أننا لم ننتبه لكيفية تشكل اللؤلؤة في المحارة، حتى جاء العلم وكشف عن سر ذاك التشكل. وكان من نتائج تلك المعرفة أن اتجهت كثير من الدول التي كانت مصدراً للؤلؤ وتجارته، إلى زراعته والتحكم في أحجامة وألوانه. في مسيرة حياة الإنسان العادي، لا ينتبه إلى أنه يمكن أن يتماهى بالمحارة في حل مشاكله، ويجعل من الألم الذي تولده تجربة مريرة ما، لؤلؤة تشع بالجمال. ولأن المشاكل تحيط بنا وتستهلك طاقتنا الطبيعية جسداً وفكراً لن نعي كيفية الخروج منها إذ لم ننتبه إلى طبيعة الكائنات من حولنا ونتخذ من حكمتها، عبرة ودرساً. وقد انتبه الفيلسوف الفرنسي «أومرام ميخائيل أيفانهوف» إلى حكمة المحارة في مواجهتها لما يؤذيها، ويدعونا إلى محاكاتها للتغلب على مصاعبنا، فيقول: «كيف تتصرف المحارة لتصنع لؤلؤة؟ في البداية ثمة ذرة رمل تسقط في قوقعتها. وتشكل صعوبة للمحارة؛ لأنها تحكها وتؤذيها فتفكر المحارة في كيفية التخلص منها. وإذ لا تستطيع قذفها خارج قوقعتها، فإنها تبدأ في تغليفها بمادة ملساء هي جزء من طبيعة إفرازاتها. فتتكون اللؤلؤة التي نعرفها». ثم ينبهنا إلى أن «البشر لو اتخذوا من حكمة اللؤلؤة عبرة لتوصلوا إلى تغليف مصاعبهم داخل مادة مضيئة لطيفة قزحية الألوان...»، ولأنه يدرك أن البشر قد لا ينتفعون من حكمة المحارة فإنه يقول: «بدلاً من أن تتذمر وتعذب نفسك بسبب مشكلة تعترضك، ولا تصنع شيئاً سوى اليأس والحزن، حاول أن تفرز تلك المادة الخاصة التي تستطيع بها تغليف مصاعبك. فعندما تجد نفسك أمام حدث عسير افرح وقل هذه ذرة أخرى من الرمل، وهذه لؤلؤة جديدة تتراءى في المستقبل!». وإذا تساءلنا: من أين لنا بتلك المادة الشبيهة بمادة المحارة؟ فسوف نجدها في طاقة أدمغتنا وأرواحنا حين ندرك جوهر حياتنا وأهميتها بالنسبة لنا وللآخرين الذين نتبادل معهم المحبة. وندرك أيضاً أن المصاعب هي جزء من وجودنا في الحياة، وأن مسيرة وجودنا ليست معبدة الطرق دائماً، فثمة ما يعوق، لكن أيضاً ثمة قدرة فائقة لدى الإنسان يستطيع حين يعي ذاته وطاقتها، توظيفها لتجاوز مصاعبه، والسير في طرقات الحياة بتصميم وإرادة ووعي وانتباه!