حديث عن الوطن.. حديث عن الناس، تخرج الكلمات متعثرة بين الشعر والقصيد، بين المبنى والمعنى وبيت القصيد. حديث عن الوطن، حديث مثقل بالأحلام، بالأمنيات، بطموح يناطح السحب، لا نرضى لك بموقع غير سكن النجم أو مرتع الشهب. في يوم شهداء الحق والعزة يتجلى نجم سعدك، أنت القابع بين العين ورمش العين، يشاطرك الأم والأخت والوالد والولد والحبيبة أركان القلب، والقلب أنت، وكلهم أنت، نبحر فيك وإليك، وما البحر إلا أنت، وما الشجن إلا لك وعنك. أنت رؤوس الجبال، ومن سكن فيها ولم يغادرها من أندر الرجال. أنت كثبان الرمال، وما خطت بدوية برجلها، أو حمَّص بدوي قهوته، أو شدّ ناقته، أو ظعن حاملاً خيمته. كف الحبيب المخضب أنت، رائحة الحناء والعرض أنت، فكيف لا نراهن على خيولك الغادية بأن لا يصيبها نصب، ولا تعرف الكبو؟! فرسانك أهلك، سيوف بالليل ومعاول بالنهار، يجرون خلف الوقت، يقطعون السهل الوعر، ليظفروا لك بعشبة الحياة، وسرّ الخلود، وليطرزوا اسمك أغنية على شفة الزمن، بعرقهم وميراثهم من صبر الأولين. وطن الخير أنت.. عمر في الزمن قصير، وعمر في العمل طويل، أبوابك مشرعة مثل قلوب أهلك، للغريب والقريب، تحت سمائك يعيش كثيرون ولا تبخل على أحد، ولا تمنّ على أحد، شرعة الناس الطيبين، اللقمة الهنية للجميع، فرحة القلب أنت، بهجة النفس أنت، فاللهم لا تغير علينا نعمة الصبر ونعمة الشكر. إن البوح بالحب، حيناً يضحك العين، وحيناً يدمي القلب، سلطان العارفين أنت.. فلا تجعلنا مداحين يحثو الناس في وجوهنا التراب، ولا همازين مشائين بنميم، فغيرك أنت وعنك، لا نلهج بذكر، وغيرك أنت وفيك، لا نزخرف حديثاً، ولا نحدو بقصيد. في يوم كهذا يا وطني، تشرق أمانينا من جديد، فرحة بك وبعرسك وبتلك الهامات التي جاورت السحب، وغادرت معها تتبع ظلال الشرف، في يوم كهذا تبحث القلوب لك في بساتين الدنيا عن عقد فل وياسمين، ويرجع الغواصون جالبين أندر اللآلئ، ليزين الفارس خنجره العربي، وعمامته، تيجان أجداده، ولترفع البدوية برقع حشمتها لتصهل بزغرودة اللقيا ونشوة المحيا، فاليوم اكتمال بدرك وعلو نجمك، وفرحة شهداء عزك يا وطني.