في الزمن المتخم، بكنوز المعلوماتية، وتفرع أغصان المعرفة، وانفتاح العقل على أبعد من محيط الأسرة، يجد الكبار صعوبة جمة في التواصل مع الصغار، ويجد الصغار طريقاً مسدودة في الحؤول لوضع حد للاءات عقل الكبار، إذاً ما الحل.. عندما يفكر الكبير في أن يصعد الصغير إلى أعلى درجات السلم التي وصل إليها الكبير، فإن المسألة تصبح في عداد المستحيل، لأن هذا الصغير لم يسمح له سنه ولا خبرته بأن يخبر ما تعلمه الكبير، وبالتالي تصبح الحواجز سميكة، وغليظة وفظة، ولا أحد يستطيع فك رموزها. لأنه من المفترض أن يتنازل الكبير عن شيء من كبريائه وكبره، وأن يتخطى حاجز الممنوع الذي سيّج به نفسه، وأن يعيش المرحلة التي يمر بها الصغير، في هذه الحال يستطيع الطرفان أن يضعا قاسماً مشتركاً بينهما، ومن ثم تصبح الحلول سهلة وبسيطة، وتصير اللغة المشتركة سلسة وشائقة، وتنتهي حالات التأفف والزمجرة والغيظ، وأحياناً تكسير العظام.. الصغار يمرون بمرحلة من العمر دقيقة وحساسة، وبالغة التعقيد، الأمر الذي يفرض على من سبقهم في العمر والتجربة أن يهيص جناح الكبرياء المزعوم، وأن يسقط حسابات الأبوة والأمومة لمصلحة حل معضلة الغموض ضد الذي يكتنف حياة الصغار، خاصة مراحل المراهقة، هذه المراحل التي يتحول فيها الشخص إلى كتلة من النيران بحاجة إلى إطفائي بارع ومبدع في معالجة الحرائق الداخلية. فالانحرافات لدى الصغار لا تنتج أبداً إلا عندما يحيط الغموض علاقتهم مع الكبار، وكذلك اللاءات الضخمة التي يطلقها الكبار، باعتبار أنهم الأخبر، وأنهم الأكثر معرفة مع العلم، ينبغي على الأكثر معرفة أن يستبطن الدواخل، وأن يستقرئ المشاعر المتدفقة لدى الصغار، وأن يعي أن نفخ الكير ليس في كل الحالات ملائماً، لصناعة أداة طيعة، فلابد من المرونة، ولابد من التفهم، ولابد من الأخذ بعين الاعتبار، أن الأزمنة لا تتشابه في معطياتها، وبالتالي فإن الجيل الحاضر ليس الجيل الذي سبقه، وما عشناه نحن لم يعشه الأبناء، وما رأيناه نحن لا يراه الأبناء، والمثيرات التي مرت علينا ليست هي المثيرات التي تطوق مشاعر الصغار، هؤلاء الذين يجنون ثمرات التطور.. سلباً وإيجابياً. فرفقاً بهم.. إن شئنا أن نملكهم ونستحوذ على حبهم..