إنها من بساتين الحياة وخمائل العطر، وضاءة في نسماتها الجلية وحكاياتها التاريخية، نبضها مدينة العين وفصولها العبقة، وبشراها الصيف، تطل من نافذة السحر وجبال الهيبة وابتكار رونقها، إنها رائعة العين وأمد اخضرارها، تحمل مذاق التمر ورائحة الرطب، تلك حبات التلألؤ من رؤوس النخيل، وقد تدلت عناقيدها بين ضياء الشمس وأيادي سمراء (تنبت) و(تخرف)، تلك إيقاعات يومية بين (البيدار) والنخلة، تنسج خطوات جلية، نسيجها المحبة وقنواتها أريج الماء المتدفق راحلاً بين قنوات الأفلاج، يسقي النبات النظرة والشهية، يشرع بين غابة النخيل المتوجة بالحب، وبين خيوط الشمس الساطعة، هي مرايا صفحات الماء، رحلة تحمل ذاكرة المدينة، ورائحة ماضيها، تختلج الدروب والمسافات، ووجوه الحكايات، وثمة ما يكون، فالماء رمز الحياة، وسط صحراء تطوقها كثبانها الرملية. فمنذ كنّا صغاراً، وهذه الواحة تجرنا إلى أعتاب أبوابها الخشبية، غبار ممراتها يضع لمسات الجنون على وجوهنا، ويلِّون دراجاتنا الهوائية البسيطة بلون البياض، وكنا لا نتخلى عن إرادة السباق بيننا، ولا شيء يعيق حراكنا سوى أشواك النخيل، نزف جروحنا نحمله معنا كشقاوة أفكارنا وضحكاتنا، كحالة الفرح تسعى بيننا، فلا شيء يسلب منا طفولة الحكايات. تمر على واحة نخيل العين على ذكرياتها، تمر على اصطياف لم يعد منه سوى تعب (البيدار)، ثمة خيال باهر ومتوهج لصيف المدينة وزهو اصطيافها، والناس يفدون إليها من مدن أخرى يهجعون تحت فيافي نخيلها، ويلتذون من قطافها من الرطب والتمر وما سواه من منابتها. هي قلب العين النابض، وهي رمز البشرى في سماء الفرح، وفي أوج تلك الأيام لم يكن ما يسمى بالبيئة إلا أن على فطرة الحياة والبداوة، لم يكن تلوث الأفلاج يمثل فيها، كان ماؤها يسري رقراقاً، وعلى أجمل نظارة يبدو حين ينتهي في قصر الجاهلي التاريخي. هي جزء من معالم العين المدهشة والمتشكلة من لوحة زاهية، مزيجها السحر، كونها تطل على سوق المدينة، والذي هو جزء من الحياة اليومية، وهي في قلب المدينة وتفاصيل الوجوه التي ينبع منها الفرح، وكأن عناقاً مستمراً مع الحياة، فالماضي لا يخفي فصوله بهذه المدينة، بل يجدد البشارة عند مدخل الصيف، وبها ينعم السوق بتجدد خطوات أهالي المدينة في ثوب (كرنفال) من الصحو، ترى الرطب يحمل من واحة النخيل إلى السوق، ليعرض في صورة لم تعد، كما لم تعد المنازل تفرحها البشرى.