لا تثيرنا التعبيرات الشعبية الإماراتية القديمة في المعنى أو الوصف أو التوصيف، ولا نتوقف أمامها، عندما ترد إلينا لتحديد أو نعت ووصف بعض الأماكن، أو المواقع، أو المناطق، بل يأتي المعنى منساباً رقيقاً، واضحاً تماماً، لأننا نحن المتواصلين مع القدامى من أهلنا، وكأننا بناء من حجر، تم وضعه طوبة طوبة، أو حجراً فوق حجر، أو «زفنه»، وترتيبه مثل جريد النخيل عندما تبنى منه خيمة السعف، وبسبب التصاقنا بالبحر والصحراء، لا نسأل عن بعض المعاني، لأنها تأتي حسب الموقع الموصوف، أو حسب المكان والزمان المنعوت، هذا ما يفهمه ويعرفه إنسان الإمارات القديم، أما الجديد من الأبناء، فإنك تحتاج كلاماً كثيراً، وأمثلة كثيرة، لتوصل المعنى، أو الوصف، وتحديد الموقع والمكان. فعندما يقول أهلنا في المنطقة التي عشت فيها، رأس الشجر «الشيل»، فإنني أعرف المكان والمقصود تماماً، وكذلك رأس حصيان، أو مثلاً ظهر البطين، أو ظهر جميرا، أو رأس غراب، أو سيح السلم... وكذلك عراجيب ليوا، وخور خوير... وغيرها الكثير. كثيرة هي الأمثلة، وواسعة باتساع الإمارات، كان الإنسان في الأزمنة الماضية لا يحتاج من يفسر له المعنى، ولا أن يحدد له المكان، فيدرك من الاسم والصفة أين الموقع وطبيعته. والجميل في أهلنا القدامى أنهم دائماً يربطون المعنى بالصفة والمكان، فلا يشرحون كثيراً للأبناء، ولا يضيعون وقتهم في البحث عبر جوجل، أو يستعينون بالآخرين أو الحديث، إنما يصطحبون الصغار والأبناء إلى تلك المواقع، لمشاهدة المكان والموقع على أرض الواقع. نعاني الآن من أبناء لا يعرفون مناطقهم، بل من كبار أضاعوا لهجتهم، ومعرفتهم بالمناطق والأماكن والمسميات، يذهب الأبناء إلى المدرسة بلهجة إماراتية عربية، ويأتي بلهجة مكسرة، وخليط من اللهجات واللغات، وكأنها مكسرات وحلويات (حق الليلة)!!. ومن الطرق الجميلة التي يستخدمها أهلنا في التعريف بالمناطق والأماكن، أنهم يأخذون الأبناء إلى تلك المواقع، ويعرفون طبيعة المكان والبيئة الموجود فيها، مثل الحياة المائية أو النباتية التي تميز تلك المناطق. نحتاج أن يقوم الطلاب والتلاميذ برحلات وزيارات للأماكن، وأن يعرف بها القدامى من أهلنا، لا المرافقين لهم في الرحلات المدرسية، والذين قد لا ينطقون الأسماء بصورتها الصحيحة، لأنهم من الأجيال الجديدة، أماكن كثيرة في الإمارات يمكن أن تعاد لها الحياة، عبر الشوارع والدوائر والمدارس، بل حتى الحوانيت والأسواق والدكاكين الصغيرة.