في العراق، في مدينة الموصل، عيد بلا فرح، ميلاد بلا أجراس، لأن المغول الجدد حركوا نوازعهم العدوانية فهاجموا مدينة الموصل العراقية والتي تقطنها أغلبية مسيحية، فشردوا ونكلوا وهتكوا وفتكوا وقتلوا وأحرقوا وعذبوا واغتصبوا وشوهوا الإسلام حين غلبت عليهم النزعة الشوفينية حين اعتنقوا فكرة أنا ومن بعدي الطوفان.. الداعشيون عندما احتلوا مدينة الموصل أول ما فكروا فيه هو القضاء على الكنائس ولجم أجراسها وتحريم العيش على الآخر لأنه لا يدين بشعاراتهم ولا ينتمي إلى أفكارهم، ولذلك بدت أعياد الميلاد في تلك المدينة مثل غيمة تأخذها الرياح إلى المجهول وبدت أجراس الكنائس مثل صرخات محزونين غاصوا في جب عميق. لا يمكن للإنسانية أن تهنأ بخير طالما واصل المهووسون بالعنجهية طريقهم إلى الحرق والغرق وتحويل الناس إلى طرائق قددا وبددوا القيم وسددوا ضرباتهم للأديان السماوية السمحاء.. العراق الذي ما كان يعرف معنى للطوائف والمِلل والنحل أصبح اليوم يسبح في بحار هوجاء من الطائفية واللونية والعرقية أصبحت المِلة سبة في جبين الضعفاء والأقلية، بينما صارت نبتة شوكية، تدمي أجساد الآخرين. العراق بثروته الحضارية الفذة أصبح مثل واد سحيق تعيث فيه الطفيليات وجراثيم التاريخ المأزوم، العراق يعاني اليوم من فراغ المراحل ومن شؤم السواحل، والماجدات صاحبات الإرث الجميل صرن سبايا بأيدي الدواعش، صرت يخنق صوتهن تحت الخمار الأسود وخليج السياب وبصرته الهيفاء بنخلها وسهلها، غدا في وحشة الليل البهيم يسألان عن ألفة المكان، عن رطب الماضي الجميل، عن أنشودة الخلود عن «نبوخذ نصر» وعنفوان سطوته وعن حمورابي وتشريعاته الجليلة والجلية. العراق، العراق، بلا أجراس الوعي وبلا أنفاس الفكرة الحية، وبلا أقباس النور الحضاري لأن داعش وسواها أرادوا أن يطفئوا الأنوار ويخيم الظلام على بغداد الرشيد ليكتبوا مرثية بلد عاثت فيه الخفافيش ونمت على أرضه أشواك الاضمحلال.