العالم طفل يمسك بلعبة الحياة، فينبهر بها ويفرح، ثم يعبث بأطرافها ويخدشها، ثم يكسرها ثم يحولها إلى حطام.. العالم طفل لأنه لا يعتني بما لديه ولا يحمي ما يملكه ولا يرى ما يحيطه، وبالتالي فإنه يذهب مذهب الطفولة عندما يغدق على نفسه بآلة التدمير، ويمضي قدماً باتجاه إعلان وفاة لكل ما هو جميل.. فالطفل لا يعترف بالجمال بقدر ما يهتم بأنانيته، التي هي ذاته، الناقصة الباحثة عن الكمال من خلال إقصاء الآخر وإلغائه.. عندما نتابع زحام الأطفال حول لعبة ما، وتراقب المشهد بعين واسعة الحدقة، نجد أن هناك وازعاً داخلياً يدنو إلى الاحتواء ويهتف بصوت وثير، أنا ومن بعدي الطوفان، وما يحدث في عالمنا أشبه ما يكون بلعب الطفولة وخربشتها، هو مثال لذات المتداعي عند أقاصي الوجدان، هو حيلة دفاعية غير واعية من أجل طي السجادة من تحت أقدام الآخرين، وفردها في مكان آخر في منطقة خالية من المنافسة، ومن ثم يجري التوحد والانعزال وفرض أمر واقع مفاده أنه لا أنا غير الأنا الشخصية، ولا عالم غير عالم الفرد، الأمر الذي يكرس حالة من الرعب من الآخر. العالم الطفل هو عالم منطوٍ ذاتي خائف، مرتجف، أعجف، حزين إلى درجة العدمية، كئيب إلى درجة التلاشي، ولا يخرج العالم من شرنقة الذاتية إلا عندما ينتصر على الذات، ويفتح الحدقة واسعة باتجاه أفق أوسع وأعظم. لا يكون الإنسان عالمياً إلا عندما يضع العالم في المقلة وعند المهجة ليكون جزءاً من هذا العالم، شيئاً منه، وبعضاً من عناقيده المجللة بالخصوبة وصخب العطاء، الإنسان لا يكون كونياً إلا عندما يلون الكون بالحب والعطاء الإيجابي، ويزخر بأدوات الرخاء والثراء المعنوي، الإنسان لا يكون إنساناً كاملاً إلا عندما يصنع قوته العاطفي من بهارات الآخرين، لتصير الرائحة مزيجاً من عطور لزهرات مختلفة، ليست في الطفولة عفوية، وإنما فوضى خلاقة تعرم وتصرم وتتحدى الحقائق وتتجاوز الواقع، وتمشي ضد التيار، وإذا أراد العالم أن يحمي وجوده، عليه أن يخرج من جلباب طفولته، أن يعانق نضجه، أن يحقق ذاته من خلال علاقة سوية بالآخر، ينضد عناقيدها الحب.. بالحب وحده، يبني العالم عرشه المبهرج بالسندس والاستبرق، ويحمي حصته من العوائق والمزالق، ويضع حداً للجنون والمجون، ويصنع مجداً لأجياله القادمة، مقروضاً بقصيدة عصماء، شهباء، يكحلها الوزن بالرزانة وتطوقها القافية بالأمانة، ما يحدث هو نكوص إلى مناطق طفولية، واستدعاء غير واعٍ لعلاقات شائهة في التاريخ، وطغيان لأحلام كابوسية وسواسية قهرية تجور وتفور وتثور مثلما تغور القدور الكاتمة.. نحن بحاجة إلى عالم يتوق إلى كسر الحواجز ما بين الأعراق والأديان، ليصبح الكون محيطاً بلا أسماك مفترسة، ولا شعاب عابسة. Ali.AbuAlReesh@alIttihad.ae