مع مرور الذكرى الخامسة عشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية إصدار قانون أقل ما يمكن وصفه به بأنه «غريب»، فقد أقر الكونجرس الأميركي «قانون تطبيق العدالة على داعمي الإرهاب»، المعروف اختصاراً بـ «قانون جاستا»، الذي يسمح بإزالة الحصانة السيادية التي تحول دون مقاضاة حكومات الدول التي تتورط في هجمات تقع على أراضي الولايات المتحدة. كما يسمح القانون للناجين وأقارب من ماتوا في هجمات سبتمبر، بمقاضاة الدول الأخرى عما لحق بهم من أضرار. من الواضح أن القانون يستهدف المملكة العربية السعودية بالدرجة الأولى، وكأنّ الساسة الأميركيين لا يدركون أن السعودية عانت الإرهاب قبلهم، ودفعت ثمناً لجرائم الإرهابيين، والسعودية بذلت جهوداً كبيرة، وغيرت قوانين وتشريعات من أجل محاربة الإرهاب، وبالتالي بدلاً من محاربتها، كنا نتوقع أن تضع الولايات المتحدة يدها بيد السعودية، وستكون أفضل شريك لها في محاربة الإرهاب. المسرحية الأميركية هذه المرة أصبحت واضحة، فالبيت الأبيض خرج ليعلن أن الرئيس الأميركي سيستخدم حق النقض «الفيتو» على هذا القانون، والحقيقة التي نعرفها جميعاً أن أوباما لا يستطيع إيقاف إصدار هذا القانون، وإنْ رفضه فإنه يحق للكونجرس إعادة التصويت عليه، وهو في الإعادة ضامن لموافقة ثلثي الأعضاء، الأمر الذي يجعل القانون نافذاً ولا قيمة لاعتراض الرئيس، فماذا تريد أن تحقق الولايات المتحدة من وراء هذا القانون؟ وأي عبث وفوضى سينتشران في العالم بعد إقراره، ومن هو المستفيد الحقيقي من تنفيذه؟! السلطات التشريعية الأميركية مطالبة، من منطلق مسؤوليتها الأخلاقية والإنسانية، بإعادة النظر في هذا القانون وعدم إقراره.. فتبعات إقراره ستكون خطيرة، وستكون لها تأثيراتها على المبادئ الدولية الراسخة، ومبدأ السيادة الذي يمثل ركناً أساسياً في العلاقات الدولية، وقيمة أساسية تتمتع بها الدول وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي ستكون له تأثيراته السلبية على الجهود الدولية والتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب. باختصار.. «جاستا» قانون لزيادة التوتر في المنطقة العربية، ودخول مرحلة جديدة من خلط الأوراق، فبعد «الفوضى الخلاقة»، التي يستمتع «بعض» الساسة الأميركيين بمشاهدتها في المنطقة العربية، ستأتي «الفوضى المجنونة»، التي ستجعل دول العالم تدفع ثمن جرائم لا علاقة لها بها، فـ«جاستا» يسلب سيادة الدول وهيبتها، ويوفّر غطاءً قانونياً لكل من يريد مقاضاة أي دولة أو حكومة أمام المحاكم الأميركية، وهو ما يمثل خروجاً عن المألوف والمستقر في العلاقات الدولية والقانون الدولي.