لا يستطيع أحد أن ينكر هذا التطور الكبير الذي طرأ على «شكل» إعلامنا العربي، لكن الإعلام ليس شكلا بالتأكيد، كما أن الإعلام لم يكن يوما ولن يكون مجرد وسيلة للهو وتمضية وقت الفراغ فقط، وذلك لعدة أسباب: أولها أن اهتمامات الانسان كثيرة ومتوزعة على جبهات مختلفة، وثانيا فإن احتياج المجتمعات للإعلام يختلف باختلاف ثقافتها وعمقها الحضاري ودرجة التحديات التي تواجهها ومستوى الوعي الذي يتمتع به أفرادها والصراعات التي يعيشونها والأهم التحولات التي تعصف بهم وبأحوالهم وذاكرتهم وتاريخهم، وهنا فإن للإعلام دوراً كبيراً في مواكبة كل ذلك والتحول بوعي حقيقي من مجرد أداة لهو ونقل اخبار الى جهاز رصد وحفظ وتكوين وتوجيه، رصد التحولات وحفظ الهوية والذاكرة وتكوين الوعي والمواقف وتوجيه الآراء والعواطف بشكل يخدم المجتمع ويحفظ منظومة وخزان القيم فيه ، بحيث إذا حدث أمر ما لهذا المجتمع سارع الاعلام الى ذلك الخزين يستنهض به الهمم والنفوس ليواصل المجتمع سيرورته فلا يتلاشى ولا يضيع !! في الماضي، حين لم يكن هناك اعلام يفعل ذلك وتعرضت كثير من المجتمعات لتغيرات هائلة كادت ان تقضي عليها، كما حدث للأمة العربية في عصور الاستعمار وكما حدث لليابان في أعقاب الهزيمة العسكرية وكارثة قنبلة هيروشيما وكما حدث لألمانيا وغيرها، فإن مجموع القيم والاخلاقيات ونظام التربية والأسرة قام بالدور المطلوب فحفظ لهذه المجتمعات بقاءها واستمرارها، اما اليوم فنحن كأمة نعاني خللاً واضحاً في دور الأسرة وقيم التربية ومنظومة الأخلاق، يظهر ذلك جليا على جيل الشباب وعلى مستوى العلاقات الأسرية والعلاقات الإنسانية، ما يعني اننا نحتاج للاعلام بشكل كبير ليؤدي دوراً ايجابياً وفاعلاً ومؤثراً بدل هذا الدور المهلهل والهزيل والعبثي الذي يلعبه معظم الإعلام العربي اليوم لا فرق بين وسيلة وأخرى فالبرامج المستنسخة تنتشر في كل الفضائيات والصراعات المذهبية والطائفية تسيطر على مواقع التواصل أما الصحف فقد فقدت ذلك التأثير القوي في توجيه الرأي العام كما كان في السنوات السابقة بسبب شيوع وانتشار وسائط الإعلام الحديثة، وهنا تقع المسؤولية أولا على عاتق موجهي الإعلام ومخططي برامجه وصانعي هويته ولقادة الرأي في صحفه ومحطاته وإذاعاته! لدينا خلل كبير في فضاء الإعلام العربي، يشعر معها المتابع ان مخططي الإعلام وموجهيه لا يعون حجم الكارثة التي يساق لها العالم العربي بتفشي وباء التطرف والارهاب واستخدام الدين بهذا الشكل الدموي وانجراف الشباب بشكل غبي في تيارات تصادر عقولهم وتحولهم الى مجرد أحزمة ناسفة تدمر وتشوه وتنشر القتل والخوف وتوقف عجلة التقدم بل وتعيدنا قروناً للخلف، هذا الواقع لا يجابه بنشرة أخبار وبرنامج حواري يتيم وكاتب رأي بسيط ومئات الساعات من المسلسلات التافهة! إعلامنا العربي لا يزال منشغلاً بالمسلسلات التركية وباكتشاف الأصوات وتغيير ألوان وتسريحات المذيعين والمذيعات بينما نحن أمام تحد وجودي خطير!