بالرغم أنها سفرة داخل الوطن، ولا احتاجت إلا حقيبة، دون تذكرة سفر، إلا أنها من الرحلات الجميلة، حيث عملت مرشداً سياحياً بالمجان، لضيف من سويسرا أحب أن يرى الإمارات بعيداً عن الكتيب السياحي، رافقته متبرعاً لأن مهنة الدليل السياحي تستهويني، غير أنه أحرجني بأسئلته العفوية، وأنا كنت معتقداً أن أسئلته ستنحصر في التاريخ والجغرافيا والحياة الاجتماعية، والثقافية، ودخل الفرد، ومعدلات التضخم، فتحزمت له بمحزم لن يخيب، لكنه خرج بملاحظات صغيرة، مربكة، لم أستطع أن أقنعه بمبرراتها، أولى هذه الملاحظات أشار إلى تفشي السمنة الظاهرة، وبالتأكيد ارتفاع معدل زيادة السكر، نتيجة طبيعة الوجبات الغذائية، وكمياتها، وتشابه مكوناتها، ثم قلة الحركة، حيث لم يلحظ مواطنين يعبرون الشارع، ولا مواطنين يمشون إلا في الـ«مولات» التجارية، وزاد من تعجبه وقناعاته حين أوقفنا السيارة أمام كافتيريا، وبنقرة «هورن»، جاء الهندي وأخذ طلبياتنا، وشاهد سيارات كثر تأتي وتروح، والخطاب فيما بين ناسها من خلال إنزال زجاج السيارة، وأطلب وسلم وأستلم، فقال معلقاً: منذ أن حضرت هنا، لم أجد أحداً يخدم نفسه بنفسه، ليت مثل هذه الخدمة متوافرة في أوروبا للمسنين فقط، وزدت عليه أنه من المنزل يمكن أن تطلب مشترياتك وتوصلك في الحال، وهذا الطلب يمكن أن يكون كبيراً يملأ عربة تسوق أو يكون صغيراً كعلبة سجائر، بحيث بعض المقيمين حين يرجع لبلاده، لا يعرف كيف يتصرف، لأنه اعتاد على دلال البائعين في الإمارات، فضحك من الرفاهية، وتذاكرنا كيف الحال في أوروبا، وأن التسوق هناك جزء من الرياضة، وممارسة التأمل، وأن لا توصيل مجانياً إلا للمشتركين، وبمواعيد مسبقة، وبقيمة شرائية تتعدى 300 يورو، كذلك من الأمور التي ظل يسأل عنها مراراً، معتقداً أنه سيجد جواباً مختلفاً في كل مرة، عن الناس هنا كيف يشترون دون حساب، وتخطيط، ومحاسبة، فلم تسعفني اللغة، إلا بزم الشفتين تعجباً، وتساءل دهشاً عن طبيعة تلك المشاجرة، وكم لها أن تدوم بين الأصدقاء على من يدفع الفاتورة قبل صاحبه، ومن الأمور الصغيرة التي سألني عنها مرتين، ولا عرفت أن أجيبه، لماذا حين تشتري بطاقة اتصال مدفوعة بمائة درهم ينقصون منها إلكترونياً درهمين، بدلاً من أن يزيدوها وحدات مجانية كأوروبا، كذلك سألني عن سعر ربطة الخبز، وليتر البنزين، فبُهت خجلاً، وخفت أن يسألني عن سعر أسطوانة الغاز، لأني أعتقد أنها ليست من اختصاصات المرشد السياحي المجاني!