«يا طائر النورس،/‏ بشارة الشتاء،/‏ السحاب الذي يسبق المطر،/‏ يليق بك التجوال،/‏ بين سماء وسماء/‏ أن تجتمع فوقنا/‏ كي نبتسم لهذا الصباح» ذلك جزء من قصيدة «نورس.. وأفعى» إحدى قصائد ديوان «مقام الأعرابية الرائية»، آخر إصدارات الشاعرة الإماراتية ظبية خميس. لا يخدعك مدخل القصيدة والتغني بالنورس والشتاء، فنهايتها تذهب إلى أفعى زرقاء، وهي صورة في غاية الألم والإحباط.. صدمة أفعى زرقاء تلتهم ثعباناً أرقط، وهذه الصورة الصعبة، ليست بعيدة عن قصائد كثيرة في الديوان. تتابع مفردات الإحباط والألم، ليس بالضرورة عند الشاعرة، وإنما في المحيط الخارجي الذي يتوحش. مدن جميلة نالها شيء من الرماد والدخان، ولكن الشاعر إنسان حساس ينقل الصورة سريعاً عبر تفاعله مع المحيط. «يشغل الناس أنفسهم،/‏ يذوبون في التفاصيل،/‏ يعرفون، يعملون،/‏ يمشون، يحلمون/‏ يتعاشرون، ينجبون/‏ يشغل الناس أنفسهم/‏ بالأخبار والأحوال، والطقس،/‏ والأسعار والحروب والاقتتال،/‏ بالسفر والهجرة/‏ والارتحال» خيط غليظ ممتد بين معظم القصائد يشير إلى التغيير الكبير في حياة ظبية خميس. تحولات تبحث عن السكينة والهدوء بعد غربة وتطواف، وروح ظبية المتحدية الوثابة، هي التي تصنفها بين المثقفين والشعراء والكتّاب ليس في العربي، وإنما في أوطان عربية عرفت التحدي والتحرر من الصحراء ورمالها، ولكن الواقع جعل الصحراء أكثر حناناً وصدقاً ومحبةً من مصبات الأنهار والخضرة الدائمة. لنقرأ صوت ظبية العائد إلى جذوره ووطنه بحب جديد وعميق يمتد جذره في الدم ويسكنها دفء البيت والأم الرحوم الإمارات. «ولي وطن من غزلان ويمام/‏ ونخل وسدر،/‏ ونبع حنان،/‏ لي وطن من الأكوان/‏ ومجنحة، أطير بينها/‏ لا فناء ولا هوان/‏ لي وطن،/‏ أضرب الدّف فيه/‏ فتجيبني الأرواح بالألحان/‏ لي دورق الحياة/‏ أشربها،/‏ في خير وسلام» إذاً هكذا تمضي ظبية خميس في ديوانها تحمل تجربة أعوام طويلة بين الترحال والذاكرة، الكثير منها ذهب مع الريح. ولأن الحياة مدرسة وجامعة كبيرة، فإن ما يتحصل منها لا يمكن التنبؤ به إلا بعد التجربة.. هكذا تنقل ظبية في بعض قصائد الديوان تجارب الحياة، فتجد أن هناك تغيراً كبيراً عندها لمفهوم المحيط والحياة. «تعودت أن أعيش وحدي/‏ أن أسافر وحدي/‏ أن أعشق وأضيع وحدي/‏ تعودت أن أصنع عالماً شاسعاً/‏ حين تضيق الأرض من حولي» ظبية خميس دائماً متفردة في حياتها في مشاغبتها..