العقل عندما يغرق في وحل الأفكار المسبقة، فإنه ينتحر، فكما أكد صاحب العقد الاجتماعي، جان جاك روسو «الأفكار المسبقة مفسدة للعقل»، الآن وفي ظل الهياج العقائدي الأسود، فإن العقل، فَقَدَ قدرته على الإمساك بزمام الأمور وبات يطوح مجاديفه وسط أمواج هائجة، تدفعه دفعاً نحو سواحل صخرية حادة حتى بات مركبه يتكسر ويتحول إلى أشلاء.. وكما أكد أحد الحكماء «أنه إذا كان العقل مستبداً فإن الصحوة مستحيلة»، وهذا ما يحصل للجماعات المتطرفة التي اعتبرت نفسها أنها تملك صكوك الغفران وأن الطريق إلى الجنة يبدأ بطاعة زعيم الجماعة حتى ولو كان ذلك ضد قوانين السماء والطبيعة، حتى ولو كان ذلك ضد سيادة الوطن، حتى ولو كان ذلك يدمر ولا يعمر ويسفك دماء بريئة من غير ذنب. العقل عندما يتورم ويتضخم فإنه يتأزم ولا يرى صاحبه سوى نفسه، وبالتالي فإنه يقوم على ارتكاب الجرائم بدم بارد ونفس راضية، ومن دون تأنيب ضمير.. هذه ثقافة سبح في محيطها الرث أصحاب العقول السوداوية، وباتوا نشازاً في المجتمعات يؤرقون ويقلقون وتدفع الأوطان بسببهم أثماناً باهظة لأنهم يفعلون ما يفعل الشيطان حين يريد أن يخرج العباد من جنة الاستقرار والطمأنينة.. فمنذ أن نشأت الأنا عند بعض الأشخاص أصبحت الفجوة واسعة، بينهم والآخر، ثم تطورت هذه الأنا لتصبح طائفة أو عرقا أو لونا فصارت هذه الشرائح ضد الوطن، ضد أمنه ونموه، وتطوره. إذاً نحن بحاجة إلى تفكيك هذه الشبكة العنكبوتية المسماة «أنا» لتصبح جزءاً مكملاً للواقع لا ضده.. نحن بحاجة إلى ثقافة مثل الشجرة، أغصانها تتشابك لتؤتي أثماراً يانعة.. نحن بحاجة إلى عقل يفتخر بالوطن لا ينتحر ضده.