لو رسم الملاكُ وطناً في جنةٍ وزيّنه بابتسامة الشهداء ودعاء أمهاتهم وضحكات أبنائهم، فإنها الإمارات. الأرض التي أنجبت حب الحياة وفرّقته مشاعاً بين البشر. في كل رملة هنا ينام سر الصحراء، ولغزها الذي استعصى على كل الغزاة. وفي كل قطرة، إذا قرأنا بحرها، كُتبت وتُكتبُ كل يوم، سيرة الإنسان الذي حفر الأعماق منقباً عن لؤلؤ المعنى حتى اكتست روحه بحب التحدي. وجيلاً بعد جيل، ستنجب الإمارات شعباً يروّض البحر، ويزرع فوق زرقته نخلة الضوء، ويستدعي آهة النهّام من سفن الماضي ليجعلها لحناً في نشيد الذاهبين إلى مستقبل الغيم. ومن يراقب بحر الإمارات اليوم، يدرك بأم عقله، أنه بات مرسى لسفن اللاهثين إلى السلام، وهو ميناء الشمس. وعلى شواطئ الذهب الممتدة حولها، يبني البشرُ أحلامهم من رمل وماء، لكنها تصير حقيقة تحت أجمل سماء. وليس بعيداً عن البحر، يجلس البدوي في خيمة وقد امتلأ قلبه بعبق الصحراء وسحر نجومها الأخّاذ، متدفئاً بنار الحنين إلى البعيد، مسترسلاً في حداءٍ يروي مجد من مروا في زمن الفيافي وتركوا نقوشهم على جدار الريح، وذاقوا لذّة أن يُنسبوا للربع الخالي. الربع الذي ظل نهراً مستحيلاً في عيون العابرين. ومن يعرف إنسان الإمارات، يلمس في قلبه فطرة ابن الصحراء الذي يؤمن بالشهامة مجداً لصاحبها، وبالكرم فخراً لمن يعطي. ومن هذه العادة المتأصلة في الوجدان، راحت الإمارات تمد يد الترحاب حتى تناسل في حضنها بشرٌ كثيرون، وفاض من خيرها ما يسد رمق البعيدين في كل الأصقاع، ويمنحهم الأمل من جديد. لو رسم الملاكُ أرضاً عليها رجال يعمّرون السماء، فهم قادة الإمارات. ولو نقشَ على جبين المدى صقور السلام مدججين بالعزيمة والفخر، فهم جنود الإمارات. وإذا تبسم طائر السعد، وركض طفلٌ وراء فراشة بيضاء وتعثر بالورد وسقط في حضن الأحلام، فهي الإمارات. سأمضي مع شعرائها لنهتف بكلمة الحب، ونرفع القلم سارية للعلم. ونبوح بأغنية الولاء لثرى مجدها الزاهر. لترابها الذي لا يعادل ذرةً منه الذهب. لهوائها الذي يتنفس الأمان ويبث في الروح الأماني. لناسها وهم دمي كلّه وعزّة قلبي وجِنان جوارحي. يوماً بعد يوم نخلّد ذكرى أننا وقفنا هنا تحت مظلة النور حتى ابيضّت ظلالنا، واغتسلنا بماء المحبة، حتى لم يعرف القمر من منا خطف نجمة الفخر، وعلقها تاجاً في عرس وطنٍ عظيم.