يبدو أن ليلة السبت الباريسية ستكون لها آثارها التي لن تزول بسرعة، وظلامها قد يستمر طويلاً، فمنذ تلك الليلة لم تهدأ فرنسا ولا أوروبا - ولا أحد يلومها في ذلك، فالجريمة الغادرة كانت مؤلمة - وبالأمس أعلنت روسيا وفرنسا تحالفهما من أجل العمل ضد «داعش» ومحاربته في كل مكان، فهاتان الدولتان فقدتا خلال عشرة أيام فقط 350 تقريباً من مواطنيهما الأبرياء، والفاعل واحد وهو «داعش».. ففي حادثة الطائرة الروسية فوق سيناء قتل 224 روسياً، وفي أحداث باريس الأخيرة بلغ عدد القتلى 129، وهذه محصلة كبيرة لا يمكن أن تتغافل عنها الدول، خصوصاً إذا كان هناك عشرات الجرحى. الغرب الجريح والمغدور يريد الانتقام واستعادة هيبته بأي شكل؛ لذا فقد قرر أن يتوجه إلى منطقتنا لمحاربة «داعش» والإرهاب والإرهابيين الذين انتشروا في كل مكان... وواضح أن الغرب الجريح يريد أن يكون انتقامه سريعاً ومزلزلاً.. ويبدو لي أنه سائر في تكرار مشهد 2001، فلن يكون مختلفاً كثيراً عن ردة فعل الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش بعد أحداث سبتمبر، عندما أعلن الحرب على الإرهاب بطريقته، وذهب إلى أفغانستان ليحارب ابن لادن وأتباع القاعدة، وبدلاً من أن يقضي عليهم تسببت حربه في انتشار أنصار القاعدة في كل مكان، واتسعت دائرة المؤيدين لهذا الفكر المتشدد، بل وتطورت أدواته وأساليبه، ودفع العرب -ولا يزالون يدفعون- ثمن خطأ مجموعة صغيرة ممن ينتمون إليهم. الدول الغربية تعيش هذه الأيام حالة من الرعب والخوف من أي أعمال إرهابية، وهي تزيد من درجة استعدادها لأي عملية متوقعة، وفي الوقت نفسه تتخذ إجراءات وقائية، فتعتقل حتى من تشتبه بهم، ولا أحد يلوم هذه الدول على تلك الإجراءات، فأمن واستقرار الدول ليس مجالاً للعبث والتلاعب.. لكن من المهم حين تتخذ هذه الدول إجراءاتها، التي تعتبر ردة فعل على تلك الهجمات والتهديدات التي لا تتوقف، أن تمعن النظر في الداخل عندها، وأن تدقق في الفكر المتشدد الذي ينتشر بين ظهرانيها من قِبل جماعات متشددة تلقى الرعاية والحماية من بعض الحكومات الغربية، ففي الوقت الذي تقلع فيه طائراتها لتدك معاقل الإرهاب في الشرق الأوسط، عليها أن تدك معاقل الأفكار الهدامة والسامة في مجتمعاتها، فهي لا تقل خطراً عن «داعش» وأخواته. العالم بحاجة إلى حوار جاد حول محاربة الإرهاب، كما أنه بحاجة إلى تعاون قوي على المستوى الثقافي والفكري والعسكري والأمني لمواجهته، فبعد تجربة أفغانستان قبل خمسة عشر عاماً يبدو الفشل العسكري واضحاً في القضاء على الإرهاب، بل والتسبب في وضع عكسي وانتشار الإرهاب بشكل أكبر، ومن المهم أن تكون ردة فعل الدول الغربية اليوم مدروسة بشكل جيد حتى لا تؤدي إلى نتائج عكسية، وإلى وضع أكثر فوضوية ومأساوية مما هو عليه اليوم، فالعالم العربي وشعوب المنطقة العربية دفعت ثمناً باهظاً بسبب الإرهاب، دفعت من أموالها ومن أحلام شبابها ومن مستقبل أجيالها، ولم تعد مستعدة لتدفع المزيد لعقد آخر من الزمان.