لا زلت عند قناعتي بأن أبلغ إساءة وأكبر سوء استغلال لحق بمهنة سامية كالطب ورعاية المرضى قد جرت منذ أن دخل نظام التأمين الصحي حياتنا، والذي أرادت قيادتنا الرشيدة من خلاله ضمان امتداد مظلة الرعاية الصحية للجميع، مواطنين ومقيمين. فالكثير من الشركات العاملة في القطاع تتنصل من مسؤولياتها، وقد تحول المريض بالنسبة لها إلى مجرد رقم، وقطع وأجزاء، لكل جزء وعمر وحالة حسابات خاصة ومعاملة محددة. وأغلب المستشفيات، وبالذات الخاصة، وبزعم«الحفاظ على الحقوق» لا تقدم الخدمات المطلوبة منها للمريض إلا بعد وصول موافقة «التأمين»، وامتدت هذه الممارسة إلى أقسام الطوارئ التي لا يتردد إليها سوى المريض المضطر، ولكنه أصبح في نظر إدارات تلك المستشفيات والعيادات شخصاً متهرباً، أو يحاول الاحتيال عليها لتفادي دفع الرسوم المقررة. ومن هنا جاء قرار معالي عبدالرحمن العويس وزير الصحة مؤخراً، ليؤكد مجدداً ضرورة تحمل شركات التأمين والمستشفيات مسؤولياتها في تحمل تكلفة رعاية حالات الطوارئ للمؤمن عليهم، ولغير ذلك على حد سواء، وفق الضوابط المحددة. إن الكثير من الممارسات غير مقبولة، وتسيء للصورة الزاهية التي تحققت للخدمات الصحية والطبية في الإمارات الدولة التي تولي هذا القطاع كل الرعاية والدعم والاهتمام، لأنه يتعلق بصحة الإنسان وحياته، ولعل أبلغ دليل، ما يستأثر به هذا القطاع من حصة في الميزانية العامة للدولة، وترتفع عاماً بعد آخر، لمواجهة الزيادة السكانية، وارتفاع تكاليف تقديم الخدمات الطبية والعلاجية. ولئن وقعت حالات محدودة هنا وهناك من سوء الاستغلال، فلا يعني ذلك أن تمتنع العيادات والمستشفيات عن استقبال مريض في حالة طارئة، تحت ذريعة عدم وجود غطاء تأميني له، وفي الوقت ذاته، نلمس كيف تمنح هذه الجهات نفسها الحق في استغلال المريض، أو المراجع المؤمن عليه بأبشع الصور، ونحن نراها تبالغ في أثمان خدماتها، وتفرض عليهم أموراً هم في غنى عنها، فقط لمجرد الوصول إلى نسبة من العائد تحدد لهم من قبل إداراتهم. وتناسوا الهدف السامي الذي حرصت عليه الدولة من المظلة التأمينية الصحية بإتاحة الفرصة لمؤسسات القطاع الخاص أن تكون شريكاً حقيقياً ومسؤولاً في تقديم الخدمات الصحية للجميع من دون استثناء، لا شريكاً ينظر للمسألة فقط على أنها غنيمة وكعكة يريد الاستئثار بأكبر شريحة منها.