الصالحُ، لو تاه، لو ابتعدت خطاه عن البداية، ستراه يوماً وقد عاد يدق على جدارك، مغلوباً برغبة الحب، مدفوعاً بنيّة الوصل يعود إلى الأصل. إنه الإنسان الذي انفطر على الطيبة حتى أكلته من الداخل. قد تراهُ ينأى، وقد تشطّ خطاه بعيداً في غمرة غرور. لكن الزمن يعيده مأسوراً، مكبلاً بالحنين واللهفة والتوق. والصالحُ ما هو إلا مهندس أشواق مخلصة، قد يهدم ما يراه خراباً ليعيد ترميم المحبة من جديد. فإذا جاء تراه عذباً كالماء، وإذا رحل قليلاً، فإن يده التي تراخت في الوداع المر، هي نفسها ستعود تُفتحُ للعناق. وقلبه الذي وسع المدى شغفاً، لن يحمل في النهاية سوى الجمال، ولن تتفتح في رحابته سوى زهرة الاقتراب. الطالحُ، لو ظل قربك يسقي براعم الحظ، لن تجني معه سوى الخيبات. وفي كل مرةٍ، حين تشدّه بكلتا يديك كي يرى النور، لن تراه إلا ملتفتاً للظلام. متلذذا بالجلوس مع الخوف ومن حولهما تجلسُ أشباحُ الحسرة وفوقهما يقف الضياع منتصبا وكأنه حارسهما الأمين. والطالحُ ما هو إلا أعمى البصيرة. لا يرى بقلبه ولا يسمع بجوارحه، ولا يصغي لنداء الأمنيات. قم ودعه في دعةٍ وغادر. وسترى كيف تورقُ في طريقك كل المعجزات. المترديةُ، حتى لو خدعتك تمشي على خط مستقيم، فإنها لا بد تسقط في الهاوية. لأنها لا تراوغ الريح إن هبّت في ليلة هوجاء. ولا تُحاذر المنحدرات في خضم حياةٍ متقلبة. وإن أنقذها العجبُ من السقوط في الحفرة الأولى، ستراها وقد غرقت في الثانية. وهذه لن تجرّك إلا للخراب، ولن تشرب معها سوى عطش السراب. النطيحة، لا تبُح لها بالنصيحة. فقد وُلدت من نسل العناد حتى تصلّب رأيها وتيبس في عروق معناها الغباء. بين الجالسين تُناطح غيرها جهلا بجهل. وبين الواقفين ستراها ترفس الجدران وباب الدخول مفتوح ولكنها لا تراه، لأنها لا ترى نفسها إلا في الضد، ولا ترى غيرها إلا خصماً حتى لو مد لها باقة الود. ومصيرها الانفصام بعد كل خصام. هي الطريق إذاً، لكنها لا تُقطع إلا بالرفيق. فإن آخيت مرتخيا جرّك للبطلان. وإن صادقت شهماً، سرى بك سهماً في سباقك ضد النسيان. وإن وقفت على صخرة الحيرة، مزّقتك الأسئلة، ونهشت من روح عزمك كل خطوات البداية، وخسرت الرهان.