بعد الفشل الذريع الذي حاق بالحوثي وصالح، لم يجد الطغاة غير تجويع أهل صنعاء، وحصارهم وخنق أنفاسهم، ما دعا إلى ثورة عارمة من جهة الجياع بحثاً عن لقمة تسد الرمق، ورفع الأغلال التي طوقوا بها.. فمن باع الوطن لا يتورع أبداً عن بيع المواطن وجعله درعاً بشرياً لحماية ما تبقى من فلوله وقطعانه.. الحوثيون وصالح فعلوا ذلك، لأنهم حيدوا الضمير وصارت الأجندة الطائفية فوق كل اعتبار، وإيران البعيدة عرقاً ودماً وتاريخاً أقرب إلى الحوثي من أبناء الدم والتاريخ والأرض، وهكذا هي الأهواء تفعل.. وهكذا هي الأنا عندما تتورم تفعل.. وهكذا يتلاشى الحس الوطني والديني عندما تكون الطائفة فوق الجميع، وعندما يغيب الوعي وتنام القريحة ويختزل العقل المجنون الانتماء ليصبح مجرد عصابة تبيع وتشترى بالمبادئ والقيم، وترهن البلاد والعباد بأيد غريبة مريبة لا هم لها سوى ضرب معاول الهدم في كل أرض تقع عليها أقدامها.. اليمنيون يعرفون ذلك جيداً، وواثقون من أن من رفع الشعار الكاذب سوف يهوي في قصر سحيق وسوف تسقط الأكاذيب، ويظهر الحق وتنصع الحقيقة رغماً عن أنف المزايدين والمراهنين والأفاقين والمهرولين باتجاه غياهب الأجندات المغرضة. اليمنيون واثقون من أن نهاية الظلم والظلام قريبة طالما شبكوا الأيادي ووقفوا كتفاً بكتف مع الأوفياء من الأشقاء الذين ضحوا بالدماء من أجل تحرير اليمن وإعادة الحق إلى أصحابه وتكريس الشرعية ودحر الغوغائية ونحر العشوائية وإضاءة طريق اليمنيين بسراج الحقيقة الدافعة. اليمنيون لن ينسوا من أزهق أرواح الأبرياء، وأهدر مقدرات بلادهم، وراهن على الغير، وتحصن في جحور الحياة لقنص إرادة الناس، وقصف وجدانهم، وضرب قيمهم، وهتك كرامة بلدهم، والفتك بكرامتهم، والاستعانة بالعدو ضد الشقيق.. اليمنيون سوف ينحتون هذا الغسق والنزق في الذاكرة لتبقى الصورة واضحة في ذهنية الأجيال القادمة، ولتعرف هذه الأجيال من خانها وباع مصيرها واستند إلى الأكاذيب لتكريس واقع غير واقع اليمن، ولا يمت لتاريخها وحضارتها بأية صلة، اليمنيون انتفضوا ضد الفكرة الهدامة، وحثوا الخطى لأجل تحرير بلادهم بمساندة الأشقاء من مغول العصر وبرامكة التاريخ الحديث و«الفايكنج» الجديد وعصابات التدمير والتهميش.. اليمنيون بالفطرة المحكنة ومن دون أيديولوجيات فارغة قادرون على إرواء عطشهم وسد جوعهم بصمودهم وإرادة العقل وحسن السيرة التاريخية والسلوك الوطني.