بالنظر من بعيد وبشكل بانورامي للمنطقة، لن يختلف اثنان على أنه أصبح من الضروري أن تعمل دول المنطقة على بناء «نموذج للقوة»، هدفه الأساسي قدرة دول المنطقة على الدفاع عن نفسها، وتمكنها من حماية مكتسباتها، فلم يعد خافياً ما تعيشه منطقة الشرق الأوسط من أوضاع مربكة، وما تخبئه الأيام من تحديات، بل ومفاجآت قد تؤدي إلى تفتيت جديد لمكوناتها. حوارات ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثاني كانت صريحة، وتحمل تساؤلات أكثر مما تحمل إجابات، ولكن جلساتها ومداخلات المشاركين فيها نجحت في أن تضع النقاط على الحروف، خصوصاً في الأمور المتعلقة بقضايا المنطقة، وبالتحديد بدور دول الخليج المستقبلي الذي بلا شك أنه مختلف عن الدور الذي كان قبل عام أو أعوام قليلة مضت، وكذلك الدول والقوى الإقليمية المؤثرة في الأحداث فيها. والحقيقة التي لا يمكن القفز عليها هي أن الأخطار التي تواجهها المنطقة حقيقية وعميقة، ما يعني أنها يمكن أن تؤدي إلى صراعات أكبر وأكثر اتساعاً وأبعد تأثيراً من منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يجعل النظام الدولي بحاجة إلى الاهتمام بدوره في المنطقة، وإعادة صياغة الحلول التي يقدمها لدولها التي تعاني من الإرهاب الداخلي والتدخل الخارجي، وأكثر المطالبين بذلك هي الولايات المتحدة الأميركية، الحليف الاستراتيجي الذي فَقَدَ ثقة حلفائه في الخليج والمنطقة العربية، خصوصاً بعد موقف واشنطن مما يسمى بالربيع العربي، ومن الملف النووي الإيراني. واحدة من أهم مشكلات المنطقة هي الدور الإيراني في المنطقة، وإصرار طهران على التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وفي أحيان ليست قليلة إثارتها المشكلات والانقسامات في تلك الدول، إيران التي تصر على التعامل مع محيطها الجغرافي من منطلق «الثورة» بدلاً من التعامل مع جيرانها من منطلق «الدولة»، تسبب قلاقل في المنطقة، لأن منطلقات الثورة هي منطلقات عدائية تؤدي إلى فقدان الثقة، وإلى استمرار الصراع، وعدم قيام العلاقة بين تلك الدول على أساس القوانين والقواعد والأخلاق الدولية المبنية أساساً على احترام الجوار، والعمل على استقرار المنطقة، والتعاون على التنمية والتطوير، لا على أساس المناكفة والصراع! وفي ظل متغيرات وتحديات المنطقة لا يمكن أن نتجاوز ظاهرة التطرّف والإرهاب التي تتطور وتنتشر، الأمر الذي أدى بِنَا إلى أن أصبحنا نرى جيلاً جديداً من الإرهابيين قادماً من خارج المنطقة العربية، ما يؤكد أن ظاهرة الإرهاب لم تعد عربية أو إسلامية، وإنما أصبحت عالمية، وبالتالي لم يعد هناك خيار أمام العالم، إلا أن تكون مواجهته عالمية، فالقضاء على الإرهاب بحاجة إلى تضافر الجهود، وإلا فإن إرهاباً جديداً سيظهر بشكل أكبر وأخطر وأكثر انتشاراً في العالم، فخيار العالم الوحيد اليوم وليس غداً، هو التكاتف وتطوير أدواته من أجل منع ظهور جيل جديد من الإرهابيين، سيكون أكثر خطراً وأوسع انتشاراً.