ربما ننعت الشخصية التي تكثر من التلفت للخلف، والنظر للوراء أنها شخصية ضعيفة، ومتهيبة، وغير واثقة من نفسها، سمات مثل هذه الشخصية تكثر في مجتمعاتنا العربية التي تعاني من أمراض عدة: اجتماعية، وثقافية، ومثقلة بهموم تعرفها، وأخرى لا تعرفها، ومكبلة بنصوص تعرف تفسيرها، وأخرى لا تعرف تأويلها، لذا نجد العربي الذي تركبه هذه الشخصية بفعل عوامل كثيرة في المجتمع منها السلطة والجهل والخوف وعدم الاستقرار، والشعور بالذنب، ومفردة وقع السيئة على النفس، كثير التردد في حياته، دائم الشعور أن أحداً يمشي وراءه، وأنه ملاحق ومراقب حين يستعر الخوف في المجتمعات البوليسية، أو معرض للتصفية الجسدية إن عارض في بلدان ذات نظام الحزب الواحد والشمولية، قد يكون هذا العربي ذو الشخصية المتلفتة للخلف، كثير الاعتذار عما بدر منه، وما لم يبدر منه، قد يكون اعتذاراً بأثر رجعي إن وسوست له النفس مستقبلاً، المهم أن يكيل اعتذارات لكل أحد أعلى منه رتبة، ومقاماً اجتماعياً، وسلطة، حتى تثقل أكتافه بالاعتذارات لأناس وهميين، يشكلون أشباحاً، وقوى غير مرئية، هذا الشخص ربما لو صادف مديره في طريق ضيق، فسيعتذر له، لأنه لم يكن ينوي أن يمر بهذا الطريق، لكن الشيطان غلبه، لذا يتمنى على رئيسه أن يتقبل اعتذاره، لأنه زاد من ضيق الدرب قليلاً. الشخص المتلفت للوراء، لا يشترط أن يكون رجلاً، فالمرأة أيضاً لها مشكلات مشتركة مع الرجل، وأخرى خاصة بها، بفعل العيب والحياء الأنثوي، وتلك المفردات التي يسربها جهلاء الوقت، والساعون للتحكم في إيقاع المجتمع، فالكثير من النساء العربيات ما إن تسمع خطوات خلفها، إلا وتجدها تلتفت وتتلفت، فإن رأت رجالاً، قصرت خطواتها حتى يتجاوزوها، أو قد تسرع هي حتى يغيبوا عن سمعها المرهف، فالمرأة الملتبسة شخصية المتلفتة، تشعر بسخونة ظهرها من خطوات الرجال العادية خلفها أو كلامهم العادي من ورائها، وكأنهم يلاحقونها أو يتحدثون عنها، فتشعر فجأة وكأنها عارية، وأن الذين خلفها ليس لديهم عمل ولا أدب أو دين، وهم يكادون يصورونها أو يصفون ما تحت ثيابها، في حين المرأة الأجنبية تستمر في الحديث مع زوجها، ولا يعني لها كل من حولها أو أمامها أو خلفها، فلكل إنسان عالمه ومشاغله وحياته، شخصية المتلفت للخلف ربما يضطر أن يدافع كل حين عن كل شيء يقال خلفه أو يتقول الناس به من وراءه، يظل يعيش قلق الحياة، محاولاً الخروج مستسلماً، وسالماً!