لو أن كل إنسان يمتلك أموالاً كثيرة أو متوسطة الكثرة أعطى بعضاً من ماله لمن لا يمتلك أي شيء أو يمتلك القليل، ماذا كان سيحصل؟. أتأمل بعض أولئك الأثرياء، أو متوسطي الثراء، كيف يقبضون على ما يمتلكون كأنه يمنحهم الخلود، هو يمنحهم الرفاهية نعم، لكن بهذه القبضة عليه يمنحهم أيضاً القلق من خسارته، رغم أنهم يعلمون بأن هذا القلق يضر المعدة ويسبب عسر الهضم والأرق وغيرها. ما المشكلة أن تُحسّ بغيرك وتعطي؟ العطاء يُطهّر القلب، وسلامةُ الجسد من سلامته. حين تساعد إنساناً فأنت تُسعده، والسعادة طاقة إيجابية تنفعك أيضاً، فلن ترى وجوهاً متعبة كثيرة أمامك تعكر يومك بالتعب المرسوم على ملامحها. لماذا تبدو مسألة منح جزء من مالك لإسعاد إنسان عملية عسيرة، وتحتاج حسابات ومنطق وجداول ضرب وقسمة كثيرة؟... لماذا لا يُسعد الناس بعضهم بعضاً ببساطة؟، أن يمنح من يمتلك شيئاً مما يمتلك لمن لا يمتلك شيئاً. لماذا يُترك عدد كبير من البشر يعانون فيما يهدر الكثيرون ما يمتلكون أو فقط يُكدّسونه؟ هل تظن أنك لن تموت؟ اذهب في زيارة إلى المتاحف في مدن العالم، كمتحف «فكتوريا وألبرت» في لندن، حيث السجاد القديم المعلّق على الجدران، هذا السجاد كان مفروشاً في بعض القصور في العصور القديمة، تستطيع أن ترى عليه آثار أقدامهم باقية، أين هم الآن؟، مجرد أثر لقدم على سجادة معلقة في متحف. كذلك ملابس الأطفال الصغار المُذّهبة.. الصغار الذين كبروا وماتوا. أو اذهب إلى المتحف المصري في القاهرة، حيث الجثامين محنّطة من آلاف السنين، ترى الوجوه سوداء مهترئة، وجوه كانت شابة عفيّة جميلة بعيون كحيلة... تأمل كل تلك المجوهرات والزينة التي كانت تبهج من يرتديها. اذهب إلى المتاحف وتفكر- ولن أقول المقابر، فهذا جو كئيب لا أحد يريده لك- في المتاحف أنت تتذكر أن الناس تموت، وأنك أيضاً ستموت، ولكن دون أن يصيبك الحزن لذلك، بل إحساس عميق بحكمة الوجود.. حينها تشعر أن ما تمتلكه يمكن أن يمنحك الخلود عبر جسر العطاء. العمر مهما طال فهو قصير والعطاء يمنحك عمراً أكبر وأوسع، عمر كل من مددت له يدك لتساعده فأسعدته من دون أن ينقص من عمره شيء، حين تكون سبباً في سعادة الآخرين يحبونك بصدق، والمحبة الصادقة درع يحميك من شرور الدهر، ويتمنون لك المزيد من الخير، ويسألون الله أن يمد في عمرك، والله لا يرد طلب الفقراء.. ألم يرسلك للتو إليهم؟.