تربيت وأخوتي على أن العمل عبادة. ومنذ نعومة أظافرنا لم نعتمد على «الواسطة» بل كان علينا فعل ما يرتقي بنا وكأننا «مقطوعين من شجرة»، فكم ردد والدانا عبارة «واسطتكم رب العالمين». وعندما انشغل والدي بأعمال البحر والسفر كثفت والدتي عملها في بيتٍ ضمن لنا الأمن والأمان ولكنه سلب شبابهما وحرمهما من فرصة التعليم، إلى أن جاء «الفتح المبين» الشيخ زايد طيب الله ثراه فبعد قيام الاتحاد اتحد والدايَّ على أن «العلم نور» فالتحقا بمدارس محو الأمية، ومنذ أن ذاقا لذة المعرفة صارا أكثر إلحاحاً وإصراراً على نجاحنا. ولكنهما سرعان ما «شردوا» عندما تحدتهم اللغة الإنجليزية ودروس الرياضيات. أما نحن - الأبناء - فقد تفاوت تعليمنا، وكسرت أختي سمية قاعدة يرتكز عليها العلم وتتكئ على آرائكها المعرفة عندما تزوجت وهي ذات الخامسة عشر ربيعاً فطارت أحلامها وتركت «خرابيط» الكتب و«شخابيط» الامتحانات. وبعد فرحتنا بغالية ثم غادة انتهت قصة «ريما» وتلاشت صورة فرانكو كسباري وجاءت لحظة الصدق والواقع. تسارعت خطى سمية إلى المدارس المسائية حتى حصلت على الثانوية وأردفتها بالتحاقها بالتأهيل الموجه وتصارعت مع شهادة البكالوريوس، وأخيراً بكت يوم تخرجها، ثم التحقت بهيئة التدريس بوزارة التربية والتعليم وهي في مستهل العقد الثاني وثابرت حتى أصبحت من المدرسات المواطنات تخرج على يدها عددٌ لا يستهان به من متخذات القرار.. وما أن تسلمت راتبها ذَهَبَتْ يوم الأربعاء لشراء جهازٍ يوضح مخارج الحروف لسامعيه حتى تتمرس بنات فصلها على النطق السليم. وفي اليوم التالي استدعتها مديرة المدرسة لتقول لها: تقول لك الوزارة عندك شهرين! فقلتُ : هذا أشبه بسيدة تنتظر زوجها على وجبة غداء أعدتها بحبٍ ووفاء فأرسل إليها ورقة الطلاق! وتساءلت: يعني ستختفي صورتها الذهنية وهي تفرز وتغلف هدايا اشترتها من سوق الجملة لتحفيز الطالبات عندما تكون إجاباتهن صحيحة. هي من جنود الوطن في المدارس فكيف تكون مكافأتها بهذه الطريقة ونحن في وطن التميز في الأداء وروح الفريق. ماذا سيفعل هؤلاء وقد حاصرهم الفراغ المبهم والمفاجئ وعقولهم في عملٍ دؤوب للنهوض بجيلٍ جديدٍ وهم تواقون لخدمة الإمارات إلى الرمق الأخير. هذا حكمٌ لابد من إعادة النظر فيه لإلغائه... للعارفين أقول: «إلى وزارة التربية والتعليم» إلا هذه، فهي كبيرة لانرضاها ولن نقبلها، فالحكم بالإعدام لايتساوى مع شرف الاستشهاد.