لا تدافع عن «هروبك»! يحلو للبعض أحياناً أن يفسر تصرفاتك بأنها نوع من الهروب، ويحلو لك أيضاً أن تجادله وتناكده وتجتهد بكل ما لديك من منطق وحجج لتثبت له خطأ تحليله أو تفسيره، فأنت لا تنام ولا تسافر هروباً من النكد اليومي الذي تعيشه في الدوام، أو مع زوجتك أوبسبب حوادث الأسرة المفاجأة من مثل، (هروب الشغالة، استدعاؤك لمدرسة ابنك لأنه تشابك مع مدرس اللغة العربية، انقطاع خدمة الإنترنت، تعطل المكيفات في عموم المنزل، فاتورة الكهرباء، وو و...مما يطول تعداده من الإشكالات الحياتية التي لا تنتهي). فتبتسم أنت، وكأنك حكيم زمانك وبهدوء تقول له (هذه أمور عادية يمر بها كل الناس، ولا تستدعي الهروب لا بالنوم ولا بمغادرة المنزل ولا بافتعال مشكلة مع الأولاد، طبعا أنت تكذب، فهذه الأمور تنكد عليك يومك كل يوم وتدفعك للجلوس على مقهى (ليالي الحلمية) تجتر الشيشة حتى آخر نفس في صدرك، لكنك نكاية بصديقك المحلل تنكر ذلك نكراناً مبيناً! فإذا أخبرته أنك مسافر أجابك دون تفكير مم تهرب هذه المرة؟ بالنسبة لهذا النوع من الأصدقاء، فإن الهروب هو السبب المباشر لتفسير التاريخ ! تماماً كالنظرية المادية عند ماركس، وما عليك سوى أن تثبت له في كل مرة خطأ تحليله، لأنك لست من أتباع أي نظرية، لا المادية ولا غير المادية، فأنت لا تسافر هرباً من الحر صيفاً أو الكآبة شتاء أو بسبب الملل طيلة العام، أنت تسافر لأنك شخص تحب السفر وكفى، تحب التغيير، تبحث عن البهجة. يمنحك السفر مساحة شاسعة لتستعيد علاقتك الطبيعية بالأشياء بعيداً عن الغضب والنرفزة، وتنام لأن النوم يجعلك تستعيد هدوءك وترتب وقتك، وتخرج بعيداً عن أسرتك لتتنفس هواءً مختلفاً تحت سماوات أخرى، ذلك ليس هروباً أبداً، وإن كان فهو هروب جميل ومشروع! أجد كثيرات وكثيرين يحاولون إطفاء بهجتك بأمور هي من حقك لا أكثر ولا أقل، وهم يمارسونها دون أن يسألهم أحد شيئاً، لكنك إذا فعلتها تغلغلوا في دماغك ليوحوا إليك بأنك تعاني خللاً ما، إذا نمت أنت مكتئب، إذا سافرت أنت تهرب، إذا صمت ولم تشأ أن توغل في التفاهات أنت متوحد، إذا ترفعت عن الصراعات أنت محبط... وهكذا، في حقيقتك أنت تعلم جيداً أن من يقول لك ذلك متخم بالإحباط والاكتئاب وانطفاء الطموح، والسعي بحثاً عن دور وغير ذلك، لكنه بدل أن يواجه نفسه يتخلص من كوارثه بافتعال معركة على أرض أخرى.. لا تريد أن تناكفه لا بأس قل له، نعم أنا أهرب واسترح، واعتبر الهروب حقاً إنسانياً مشروعاً يمكن للإنسان أن يمارسه طالما لا يضر به أحداً من الناس!! لا تدافع عن هروبك ! فالبعض يرتاح إذا وجد من يعاني مثله فيشاركه المعاناة، فيتحدث عن معاناته بإلقاء الكرة في ملاعب الآخرين كنوع من الإسقاط لا أكثر، في النهاية هو يعاني نوعاً من الصراع مع الذات، وهو خاسر كبير في هذا الصراع، فلا تجادل من ليس لديه ما يخسره أصلاً؟؟