هل بعد إفلاطون أم كانط ماتت الفلسفة وما بينهما قرون من التأمل، وحشود من المفكرين.. البعض قال إن موت الفلسفة أعلن بانتهاء عصر الإغريق، ونشوء السفسطة الغارقة في الغوغائية، والبعض الآخر قال :إن الفلسفة بدأت مع عصر الأنوار، وعلى يد ديكارت بالتحديد ثم روسو.. والأمر سيان، سواء ماتت الفلسفة أم حييت، فإن الإنسان هو مقياس كل شيء كما قال «بروتاغوراس» الإغريقي، وطالما بقي الإنسان، يبقى الفكر، والفلسفة الحلمة التي يرضع منها الفكر الإنساني ويأخذ نشوته في الوجود، ومن خلالها، أيضاً يستدل على طريق النجوم، وأسس التلاقي مع إنسانيته. ولكن في الوطن العربي، ماتت الفلسفة بموت صاحب الحقيقتين ابن رشد، وبعد أن صارت كتبه رماداً، أحرقتها نيران الحقد والجهل.. واليوم عندما يطرح السؤال عن موت الفلسفة عند العرب، إنما السؤال نفسه يوجه إلى الفلاسفة.. أين تكمن حقيقة ما يحدث من حرق.. فإن تحرق كتاباً أو شجرة أو إنساناً، فالأمر سيان، لأن الحرق في حد ذاته دعوة للعدمية، واتجاه مقصود للعبثية والفوضى. ونحن عندما نسأل عن ابن رشد فإنما نسأل عن الحقيقة التي ضاعت من بعده، وتاهت في غياهيب العقل المنفعل، فالفلسفة لا تنمو في صحراء الذهنية الحارقة، ولا تخضر أشجارها، تحت سماء مجدبة سحاباتها من ركام دخان.. الفلسفة إن لم تقبل اللمس، فإنها في صلب الحس، كما قال جون لوك، ومعه ديفيد هيوم، فهي إن كانت مثالاً للتأمل في الذات والكون فهي أيضاً نتاج تجربة، وتراكم معرفة، وعندما تصبح المعرفة مجرد الحفظ والتكرار فإنها لا تساعد أبداً على اخضرار العشب الذهني ولا تساعد أيضاً على تفتق الفكرة، بل وتظل الفكرة مثل البذرة تحت التراب بانتظار المطر.. فأين مطر الفلسفة في الواقع العربي؟ إنه لا يأتي لأن الغيمة الموجودة في السماء هي من نفخ كير الأحقاد التي ما ولدت غير المعتصمين بحبل الجهل.. في الجامعات العربية تبدو الفلسفة مثل طائر غريب فقد السرب، وتاه في سويداء الليل البهيم، يبحث عن نجمه تدله على عش بعيد، في الشجرة الواقعة عند قمة الفراغ المتناهي، الفلسفة لا تجد طريقاً للنجاة، ولا الخلاص من صهد التكفير والتهجير، والتنفير، والتسطير والتشطير، والتبذير في السخط على كل ما يمت للفكر وكل ما هو ذات صلة بوعي الإنسان بنفسه ووجوده. إذاً فالمعضلة مستمرة، طالما استمر الحنق على الفلسفة.