تورق شجرة المعاني، وتسقط ثمارها مشاعاً في الطريق، لكن اللاهثين وراء السراب لا يرون فيها طعماً شافياً، وأنتَ، يا من وقفت تدقّ على حائط الماضي، بحثاً عن دروب يهتدي بها عقلك، ها هي الأرض متسعاً، ولكنك تكتفي بالزاوية. وها هو البحرُ سفينة، لكنك لا ترى فيه سوى الغرق، كيف نوقظ في حناياك الأمل وحبالُ عزمك في ارتخاء. كيف نربّي اليقظة في قلبك، ويداك ترتجفان وساقك مغروسة في طين التردد. تأتي الريحُ عاصفة وتعود إلى مسكنها في السكينة، ويدور الهواء منقلباً على ذاته لو صده جبل التحدي، فإن شئت، اقترب من نار المعاني وانفخ على جمرها قليلاً كي تقشع الرماد، وكي ترى بأم عينيك، بأن ما يبدو ظاهراً في السطح ما هو إلا ثياب الحقيقة وجلدها الذي تغيره كل حين. أما الجوهر المحض، ذاك الذي تختفي فيه الفروق، فإنه ينام في العمق دائماً، وعليك، كي تجنيه، أن تحفر في الأسرار التي دفنها السابقون في كتب الحكمة، ونثروها بين طيّات الأسئلة. وإذا عثرت يوماً على مكنون ما قيل، فإن مسالك الحيرة تختفي من رؤاك، وسوف ترى كيف يتهدم الشك برمية حجر حقيقي، وكيف تنطفئ عين العتمة حين ترمي بسهم النور في لبّ غموضها. تتجاذب المعاني الجميلة، ويولد من تقاربها صوتُ الحقيقة متلوناً، مزهواً على شكل طيفٍ في ريشة الفنان، وعلى شكل نسمةٍ في عزف الأيادي المرهفة. وإذا قيل أن الحقيقة امرأة، سترى وجهها مرسوماً على منديل شاعر، وإذا الحقيقة اتخذت شكل ماءٍ، ستراها تلمعُ على شفاه عاشق ذاب في ليل المواويل. خذ من كتاب الدهر كلمة طيبة وازرعها في ليل المناجاة، وسوف يأتيك الوضوحُ طفلاً ويجلس بين يديك. أنتَ، يا من جلست طويلاً تتأمل في الفراغ ولم تجد في مراياه سوى وهم ذاتك، لست سوى بعض من كل، وما عيونك إلا غبش لا يزول إلا حين تنظر للوجود بقلبك، ومن يرى بقلبه، يقرأ سر ما تخفيه الظواهر، وكُنه ما يُضمره الحكماء في زهد الكلام. تنام الحقيقة ليلاً في قواميس النور، وتشعّ نهاراً حين تتفتح الزهرة البرية رمزاً في أغنية الشمس. وأنتَ، يا من لمحت نصف الظلال ولم تعرف بعدُ هي لمن..؟. عليك أن توقظ شمعة الانتباه، وأن تدورُ نصف الأرض كي ترى نصف الحقيقة الباقي.