قال مولانا العلاّمة، النحِرير الفهّامة، الحافظ أبي حُجامة، إنه كثر مؤخراً استعمال كلمة «طرّ» دونما حاجة، وفهم، وتبصر، وملامة، حتى أصبحت تجري على الألسن مجرى سيل الغمامة، فأردت توضيح أمرها، وجلي خبرها، فهي من فصيح العرب، وليست من الرطانة، فأصلها طرّ، وهي صوتية، وتعني شتر الثوب المخيط، والقماش أو العمامة، وطرّ شارب الغلام، ظهر وأخضرّ، وأصبح لبلوغه علامة، وطرّ في عامية البصرة، وأهل الكويت تعني شحذ، وأراق ماء وجهه بذلة ومهانة، والطرّار، ربما سمي بذلك لارتدائه الأسمال البالية والأثواب المشققة المطرورة، غير أنه في حاضر وقتنا، وساعة عصرنا، وجدنا فتيات التقنية والتقانة، والشباب «الفيسبوكي» يمطون طرّ، كل حسب معناه ومبناه، ولزوم تعجبه واستفهامه، فإن صادف غُلامة تتبختر في مغازة أو دار الخيالة، راجلة تتوكأ على كعب عال، قال واصفاً تلك الفتاة بأنها طرّ، وإن صادفها في «ستاربُكس» تحتسي قهوتها أو شيكولاتا، ولم تعطه ذاك الوجه الناعم، والثغر المقوّم الباسم، قال: «تتحسب نفسها طرّ»، وإن سادت عليه بسيارتها وارد ألمانيا، وهو يكد سيارة كورية، مرهونة الملكية، وكحيانة، أخذته العزة بالإثم، ووصف سيارتها بالطرّ، وتعالى عليها كالطائر الحرّ، وإن «تشاتوا» شبان هذا الوقت، فلابد بين كل جملة وجملة، من وجود كلمة طرّ، حتى أن بعض الناس المتأمرتين يبدأ بطرّ، ثم يكمل جملته، ويذهب لشغله، وبعض الشباب لا يمشي دون أن يمضغ طرّ، ويمكن أن ينسى أحدهم «آي فونه»، ولا ينسى طرّ، ومنهم من لا يمكنه دخول البيت، ويده خالية من طرّ، وعلى رأي الفرزدق: «طرّ.. لا رميت إذ رميت، لا حُور ولا حَجل»، وعلى رأي مطربة الجماهير: «أركب الطرطور.. وأترّ ترّ»، وقد هالني مشهد طالبة وهي تُسأل من مذيعة فيتنامية، عما تريد أن تكون في المستقبل؟ فأجابتها: «أحب أن أكون واحدة طرّ.. ذات مستقبل زاهر، وثغر فاغر، وخد باهر»، فتعجبت يومها الفيتنامية أيما تعجب، ثم ولت الأدبار، ومرة سُئل مثقف عن الفرق بين طرّ، وزرقاء اليمامة، فألجمه السؤال، ولجّ في الجواب، فأردف بارتياب: «إنهما شخصيتان عاشتا في العصر الجاهلي»، وأهل الإمارات تسمع منهم: «طرّ.. ثوث، وطرّ.. فشِانه، وطرّ.. قَعَانه، وطرّ.. شوم»، وأشهر أكلة فرنسية تسمى «tar..tar»، ومن الأغاني:«طرّ.. طرّ زماني، يا زماني طرّ.. طرّ، طرّ.. طرّ..تني خليتني أطرّ.. طرّ»، وكان طه حسين قد أنكرها، حينما سئل مرة عن موقع طرّ من الإعراب، وعلى رأي المتوصف الأوليّ، قال: طرّ، قال: قايس!