هل نستطيع إيقاف الزمن؟ أقول نعم، وآخرون يقولون لا، لأن الزمن مثل النهر يجري ويسري، ويصب ماءه في المحيط إلى ما لا نهاية.. ولكن البعض يستطيع وبفعل إرادة شخصية خارقة فعل ذلك.. فمثلاً تصور نفسك في غرفة مظلمة، وليس لديك غير ساعة مضيئة، وقد توقفت عقاربها، وقد صحوت فجأة، مخضوضاً تخشى أن يفوتك ظرف ما.. ولما نظرت إلى عقارب الساعة المتوقفة وجدت أن الزمن لم يزل في طفولته الصباحية الأولى فأخذت نفساً عميقاً، ثم عدت إلى فراشك لتستكمل النوم.. وبعد مضي فترة طويلة نهضت وأنت على موعد مع ساعتك المتوقفة، وبعد أن أكملت ترتيبات الخروج وارتديت ملابسك وأخذت إفطارك، أطبقت الباب خلفك وغادرت المنزل، وكانت الشمس تجلس متربعة في كبد السماء، عندها صدمت وطالعت الساعة في جانب مقود السيارة فتأكد لك أنك متأخر جداً عن موعدك الاجتماعي، فما كان منك إلا أن تضرب كفاً بكف وتندم على تصديق الظلام.. هذا هو حال من ينسى وعيه ويركض خلف ذاكرة معتمة، متوحشة، يغزوها ظلام القيم البالية، ولا جدوى من إضاءتها طالما بقي الوعي متكاسلاً لا يستطيع أن يقوم بدوره.. الكثير من الناس عطل عقارب الساعة وتوارى خلف الظلام، وجلس يجتر حشائش الفكر اليابسة، ويمضغ لسانه كما تفعل البهائم.. البعض هكذا يفعل عندما يغادر منطقة الوعي ويستقر مهاجراً إلى الذاكرة المتخمة بمفاهيم سرابية ملوثة بفيروسات وطفيليات وطحالب وأعشاب بحرية لزجة... هكذا يفعل البعض عندما يرفض أن يكون جزءاً من الآخر، يرفض أن يكون في صلب الحدث المتغير، منكفئاً ضمن «أنا» متورمة، تعاني السمنة إلى حد الانتفاخ، واستنساخ حالات الدلافين النافقة. هكذا يصير البعض عندما يستوحي من اللاوعي تصوره للعالم، وتعاطيه للحياة وتعامله مع الآخر، تدفعه مشاعر مغلوطة وهواجس وكوابيس وكائنات خيالية تتراقص أمام عينيه، يظن أنها الواقع الحقيقي.. هكذا يصبح البعض مثل الذبابة التي تلتصق بالجيف وتفر من رائحة العود والصندل.. هكذا يصبح البعض قاتماً مثل زجاجة تعرض للغبار وبقايا حشرات نافقة على مدى أزمنة ومراحل.. هكذا يصبح البعض عندما يفقد الحب يكون خائفاً متردداً مرتجفاً محتدماً محتقناً، تجول في ذهنه خيول عدوانية بغيضة وتقرصه ذبابة الـ«تسي. تسي» إلى حد التنويم.