‏تحتفل مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» العربية هذا الشهر بعامها الخامس كمجلة عالمية مترجمة بلغة «الضاد»، وكمطبوعة تحظى بسمعة علمية رائدة تمتد لأكثر من قرن وربع القرن. وعلى عكس الكثير من المطبوعات العربية التي تقاربها في التخصص، فإن «ناشيونال جيوغرافيك» بذلك التاريخ العريق تخطت مراحل الرصد والتحليل، وأصبح استشراف المستقبل أحد أهم فوائدها العلمية الأساسية. حسب ما ورد في لسان العرب، «تَشَرَّفَ الشيءَ واسْتَشْرَفه: وضع يده على حاجِبِه كالذي يَسْتَظِلُّ من الشمس حتى يُبْصِرَه ويَسْتَبِينَه» هذا تماماً ما يفعله عالم «ناشيونال جيوغرافيك». كل العالم أمامنا، ولكن كيف ننظر إليه؟ كل المستقبل الذي نخطه يتوقف على الطريقة التي ننظر بها للعالم، فإن أحدقنا النظر جدياً أمامنا - ونحن مسلحون بأدوات البصر والبصيرة - سنملك زمام أمور كوكبنا إلى حد كبير. في نظرة أولية للمنجز الإنساني الذي توصل إليه البشر عبر حضارات متباينة البيئات والأزمنة، سنجد أننا نقف على أعتاب مستقبل لا يقل إبهاراً وغموضاً عما حققه الإنسان في عصور سابقة، عندما رسم على جدران كهفه ما يجول في خاطره، وعندما قرر أن يحلق خارج الأرض ليكتشف العدم، وعندما قرر الغوص في بداياته الأولى. وكما هو معروف في الاستشراف، وخصوصاً ما هو متعلق بسيناريوهات المستقبل التي هي في أحد تعريفاتها تعني: «وصف لوضع مستقبلي ممكن أو مرغوب به، أو حتى مفروض»، فإننا أمام انقلاب معرفي كبير يغير الكثير من المسلمات التي عرفتها البشرية، وهو ما يفرض علينا تغيير مستوى إدراكنا بشكل كبير. والآن وبعد عامين وأكثر من العمل في مجلة نوعية كـ«ناشيونال جيوجرافيك»، أؤكد أنها المطبوعة العربية الوحيدة القادرة على أحداث هذا الإدراك في فكر القارئ العربي، إذ إنها تخطت فكرة توفيرها لمعلومات كثيرة - وكثيرة جداً تقدم لنا طوال الوقت من كل المنصات بشكل مشوش - لتقدم لنا تصنيفات محددة ومحكومة بصورة مبسطة ونوعية من حيث طريقة التقديم، ومن حيث الترابط العضوي بين موضوعاتها، الأمر الذي يجعلنا نتعاطاها بطريقة محفزة لكي يكون لنا مقابلها رد فعل، لا أن نبقى مبهورين أو مقهورين فارغي الأفواه.. غارقين في العتمة، رغم كل ما نملكه من نور معلومات! ‏السعد المنهالي