وحده مثقف البازار، يصاب بالصمم أو العمى الوقتي في الحوادث الكبيرة، فهو لا يكتب عن الأرض والوطن وما يحيط بهما من أخطار، إلا عندما يفيده في مسعاه أن يظل في المحيط والإطار الذي رسمه لذاته وخطه، فهو تاجر السوق، يعرف لعبة التجارة حتى بالكتابة والقلم!! علاقة أزلية مع السوق والبيع والشراء، لا يعنيه وطن يتهدد أو أرض تذهب إلى هذا أو ذاك، تسكن هنا عمامة أو يطير عقال، تأتي لغة أو تضمحل أخرى، هو وحده غير معني بمثل هذه الأمور التي تحترق أقلام كثيرة اعتراضاً أو احتجاجاً أو تأييداً لهذا أو ذلك، بينما يظل الوطن والانتماء للأرض هو الجامع، لكن مثقف البازار لا تعنيه غير مصلحته وما يجنيه. يزعجه أن يقدم رأياً أو كلمة في الأحداث الكثيرة الآن في الخليج العربي، فهو حبيب هذه الضفة وتلك من الخليج العربي، تزعجه حتى كلمة العربي، كم تمنى أن تظل كلمة الخليج هكذا حافة جافة، حتى لا يزعل هذا أو ذاك، وحتى يسهل التمرجح على كل الحبال. لا ندفع بهذه الكلمة جزافاً، لكن تعالوا نضع إصدارات كتاب الخليج العربي أو حتى الإمارات، ولنأخذ كتّاب البازار واحداً إثر واحد، وسوف نقف على حقيقة دامغة، وهي أن أولئك الكتاب لا يلحقون بكلمة الخليج صفته، ويزعجهم ويكدر أمرهم تلك التي يقوم بها بعض مثقفي الخليج العربي أو كتابه، وإصرارهم على إكمال التسمية للتأكيد على عروبته، بل إن بعضهم أكال المديح والتبجيل للضفة الأخرى أكثر من الجهة التي يقع فيها وطنه وأرضه، فكان العشق شمالياً جارفاً لا لشيء غير أن السوق و(البازار) والمصالح الاقتصادية والتجارية الخاصة تتطلب ذلك، والشواهد واضحة الآن، فهل قرأ أو سمع أحدكم أن مثقف البازار قال شيئاً في الحروب والكوارث التي يتعرض لها الخليج العربي على يد صناع الحرب والخراب والدمار. إن مثقفين من شمال الخليج العربي قالوا كلمتهم واضحة صريحة، بأنهم أبرياء من مصدري هذه الحروب والخراب إلى الخليج العربي والوطن العربي، وبعد أن انتبه إليهم العديد من متابعي الحراك الثقافي في المنطقة، سارع مثقفو البازار إلى إضافة العربي إلى الخليج، وفي المقارنة بين الكتابة السابقة والأحقية تتضح الصورة، فمثقف البازار يبعد نفسه دائماً عن قول أي رأي في أحداث منطقته أو وطنه، حتى يظل في خانة الأمان عند الشخصيات المؤثرة، الآن أو في المستقبل في الخليج العربي، إنها حسبة تاجر في السوق، وفي يده قلم المديح أو التصفيق لأي مكسب شخصي.